التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

هداف وعقبات.. ناتو عربي أم “درع جزيرة” أخرى؟ 

مرّة أخرى تُطرح مسألة “الناتو” العربي أو الخليجي بتعبير أدقّ. الفكرة القديمة طُرحت مجدّداً، ولكن هذه المرّة من قبل الجنرال الأمريكي جيمس جونز القائد السابق لقوات حلف الناتو الذي ادّعى الحاجة إلى “ناتو خليجي” لصد خطر إيران الذي وصفه بـ”الوجودي” دون أن يستبعد انضمام الولايات المتحدة إلى هذا الحلف.

الفكرة ليست بالجديدة، بل هي تكرار للمحاولات السابقة الفاشلة في تشكيل حلف مماثل بسبب تضارب مصالح الدول الأعضاء، إلا أن الجديد في هذه الفكرة هو طرحها من الجانب الأمريكي بشكل مباشر وليس العربي، فلماذا تريد واشنطن تشكيل هذا الناتو؟ وما هي فرص النجاح والفشل؟

كذبة نيسان!

عندما أخبرني أحد أصدقائي بالحديث عن تشكيل الناتو العربي الذي سيضم ابتداءاً مصر والأردن إلى جانب السعوديّة والإمارات، لم أتفاجأ، إلا أنه ما فاجأني هو كلامه عن أن الكيان الإسرائيلي سيكون الهدف الرئيسي لهذا الحلف. صعقت حينها ليتّضح لي بعدها أن الجزء الأول صحيح، إلا أن الجزء الثاني أي محاربة الكيان الإسرائيلي، لا يعدو عن كونه كذبة نيسان”.. أكلت الضرب.

لست أوّل من يأكل الضرب في نيسان، ولست آخرهم. فكل أيّامنا والسياسة لدينا باتت كذباً في الزمن العربي الرديء، فكيف للدول العربية التي تعلّم في مناهجها الدراسيّة أن الكيان الإسرائيلي هو العدوّ الأوّل لأمتنا العربية، في حين أنّها تستثنيه من أي مواجهة، ليس ذلك فحسب، بل تريد تشكيل “ناتو عربي”، بطلب من أمريكا الداعم الأول لهذا العدو المفترض، ضد الداعم الأول لفصائل المقاومة الفلسطينية.

أهداف وعقبات

هناك جملة من النقاط التي تتعلّق بموضوع الناتو العربي حيث يوجد كم هائل من العقبات أمامه، قد تعمل أمريكا على رفعها واحدةً تلو الأخرى، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:

أوّلاً: يصبّ التوجّه الأمريكي الجديد في صلب الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للشرق الأوسط والعالم. أي الحرب عبر الحلفاء وبأموالهم. هذا ما تفعله واشنطن اليوم عبر الأكراد. وهذا ما تريده اليوم من الناتو الغربي الذي تطالبه بدفع فواتيره. وهذا ما تريده من الناتو العربي بغية محاربة إيران بأموال وأرواح عربية، أو إسلاميّة. ويرتبط هذا التوجّه بالرئيس التاجر دونالد ترامب صاحب الرؤية الاقتصاديّة.

ثانياً: هناك توجّه غربي لإيجاد توتّر عربي إيراني، لاسيّما بعد أفول الوجه التكفيري. هذا الأمر كفيل بإشغال هذه الدول وكذلك إيران في مواجهات لا تصبّ سوى في صالح أمريكا والكيان الإسرائيلي نفسه. أمريكا لناحية المواجهة مع عدوّها اللدود ايران، وكذلك عقدها المزيد من الصفقات العسكرية، والكيان الإسرائيلي باعتباره المستفيد الأكبر مما حصل في سوريا خلال السنوات الست الماضية. هذا الأمر سيتمّ بالتوازي مع سعي أمريكي لتصفية القضيّة الفلسطينية عبر مؤتمر تشترك فيه بعض دول المنطقة على طاولة واحدة مع الجانب الإسرائيلي.

ثالثاً: هناك جملة من التحدّيات العربية العربية لهذا الناتو، وفي مقدّمتها تضارب مصالح دوله، ففي حين تريده مصر لمكافحة الإرهاب تريده السعوديّة لتحقيق مصالحها السياسيّة في اليمن وسوريا والبحرين، وهذا ما قد يعمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على معالجته خلال لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي غادر القاهرة، متوجّهاً إلى العاصمة الأمريكية واشنطن.

رابعاً: استكمالاً للنقطة الثالثة، هناك تعارض وجودي في هذا الناتو، فالسعودية تريده درع جزيرة ثانية، وأما مصر والعراق، فيريدانه لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار البلاد. فإذا كان هذا الناتو هو درع جزيرة ثانية فقط، فلا يستحقّ هذه السطور حتّى.

خامساً: من العقبات الأساسيّة التي تعترض هذا الطرح في حال ضمّ مصر والعراق، عدم قدرة أي طرف على تقديم ضمانات على تحييد الجبهة الإسرائيلية عن هذا الناتو، وحصر مواجهته بايران، فعقيدة الجيش المصري هي العداء للكيان الإسرائيلي، وأما في العراق فالحشد الشعبي الذي تسعى بعض الدول لانتقاصه وفق كلام العبادي الأخير، أحد أبرز حلفاء إيران وأعداء الكيان الإسرائيلي. وبالتالي قد يبقى هذا الناتو خليجياً مشلولاً، تماماً كما هو حاله منذ عامين في اليمن.

سادساً: الغريب أن هذا الطرح يتحدّث عن إيران، وليس الجماعات التكفيرية التي تعدّ، إضافةً إلى الكيان الإسرائيلي، الخطر الأساسي على المنطقة وشعوبها. بعبارة أخرى تريد واشنطن تحويل الأرض العربية، لساحة حرب طائفية مستقبلية ضد إيران، وهو ما يتقاطع مع ما اقترحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول “المقاربة الإقليمية” لإنهاء صراع الشرق الأوسط، بل وتجرّأ على القول إنّها “فرصة غير مسبوقة تتمثل في تخلي بعض الدول العربية عن اعتبار إسرائيل عدوا، بل صارت ترى فيها حليفا في مواجهة إيران”.

في الخلاصة، ليس المهم الحضور الشكلي لهذ الناتو العربي، وإنّما فاعليته على الأرض، فقد يتشكّل صوريّاً، إلا أنّه قد يبقى غير فعال بسبب تعارض مصالح الدول الأساسيّة فيه. أمريكا تدعو الناتو العربي لمواجهة إيران، في حين أن ممثل الناتو في القوقاز الجنوبي وليام لاهيو أكّد بالأمس أن الناتو(الغربي) لن يحارب روسيا من أجل جورجيا، فهل سيكون هذا الحلف هو حصان طروادة جديد؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق