البراغماتية ذاتها بين ترامب وأوباما: السيسي حليف اليوم على حساب حلفاء الأمس!
حظيت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعناية خاصة أمريكية. وكأن واشنطن تريد أن تُقفل ملفها الأسود في المنطقة، من خلال إزالتها كل ما يتعلق به من أطراف، لا سيما قطر والسعودية وتركيا، وجعل أطراف جديدة تدخل دائرة الصراع كمصر والأردن. أطراف يمكن القول أنها ظلت بعيدة عن التطرف في المواقف كغيرها، دون أن تكون بعيدة عن العباءة الأمريكية. في حين يبدو أن السيسي الذي دخل واشنطن بدون دورٍ وازن، سيعود بحجمٍ إقليمي أكبر من السابق. فماذا في العلاقة الودودة التي جمعت السيسي وترامب والتي كانت السبب فيما يجري اليوم؟ وما هي أهم لقاءات السيسي والتي دلَّت على فحوى وعناوين الزيارة؟ وما هي الرسائل التي وجهتها واشنطن من خلال زيارة السيسي؟
السيسي وترامب: علاقة ودودة على حساب العهد الأمريكي القديم!
عدة علامات ظهرت بين الرجلين دلَّت على علاقة ودية تجمعهم. وهو ما يمكن الإشارة له من خلال التالي:
أولاً: منذ أن التقيا في أيلول الماضي، راهن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب. وذلك لأسبابٍ تعود لخلافات الأول مع الرئيس السابق باراك أوباما، والذي رفض دعوته، وجمَّد لعامين المساعدات المالية الأمريكية والتي كانت تحظى بها مصر.
ثانياً: تبيَّن ولاء مصر السيسي لواشنطن ترامب، بعد أن قامت مصر بتأمين الرضا الأمريكي، من خلال سحب مشروع قرار يُدين الكيان الإسرائيلي في مجلس الأمن، كانت ستتقدم به القاهرة. حصل ذلك فقط من خلال مكالمة هاتفية قام بها ترامب، وقبل أن يُصبح رئيساً. وهو ما أحدث ضجةً كبيرة.
ثالثاً: اليوم ومن خلال الزيارة، بدا واضحاً حجم الإطراء الذي حصل عليه الرئيس المصري، والذي لم يحصل أي زعيمٍ عربي عليه. وهو ما دلَّ على حجم التوافق بين الطرفين بحسب ما يُروِّج الإعلام الغربي.
الزيارة وأبعادها العامة: أهم من قابلهم السيسي!
عدة مقابلات ولقاءات أجراها السيسي يجب أخذها بعين الإعتبار كونها تتعلق مباشرةً بالمواضيع وفحوى الزيارة. وهو ما يُبيِّن عناوين الزيارة والتي ركَّزت على الأمن والإقتصاد والدور الإقليمي لمصر. فيما نذكر أهم اللقاءات كما يلي:
أولاً: قابل الرئيس المصري رئيس شركة “لوك هيد مارتن” وهو رئيس أكبر شركة سلاح في العالم. فيما يتحدث الإعلام الأمريكي عن وجود صفقات سلاح، يتم إجراؤها بين الطرفين المصري والأمريكي.
ثانياً: أجرى السيسي لقاءاً مع رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، ورئيس شركة “جينرال موتروز” وأعضاء غرفة التجارة الأمريكية بالإضافة الى حصول لقاء بين وزير التجارة الأمريكي وأعضاء من وفد السيسي.
ثالثاً: التقى السيسي مسؤوليين في دائرة صنع القرار الأمريكي، من الكونغرس والمؤسسات العسكرية والصناعية بالإضافة الى لقائه بمستشار الأمن القومي الأمريكي.
دلالات الزيارة: ما هي الرسائل التي وجهتها واشنطن من خلال زيارة السيسي؟
عدة دلالات يمكن الإشارة لها مع ما تعنيه من خلال التالي:
أولاً: يمكن وبوضوح الوصول الى نتيجة مفادها أن مصر تسعى من خلال الزيارة للتعويض عن الدور المُتراجع لها خلال السنتين الماضيتين، خصوصاً في ظل العلاقات المتوترة بين السيسي وأوباما. فيما تبدَّلت الظروف اليوم، لناحية دور بعض الدول العربية كقطر والسعودية والذي تراجع على حساب ارتفاع الدور المصري.
ثانياً: هناك مسعى أمريكي ومصري متبادل لجعل آفاق الزيارة تطال وتغطي كافة الجوانب التى تأملها مصر وعلى كافة المستويات والأصعدة سواء السياسية والإقتصادية والثقافية والعسكرية. وهو ما يعني مد جسور أكبر من مجرد زيارة رسمية.
ثالثاً: تبدو واضحة، النية الأمريكية الهادفة لتحويل مصر الى حليف استراتيجي على حساب باقي الأطراف وتحديداً السعودية وقطر وتركيا. وهو ما كان مُختلفاً مع العهد الأمريكي القديم. حيث يتراجع دور كل من قطر والسعودية عربياً وتركيا إقليمياً. في حين يتقدم السيسي خطوات عنهم، لا سيما بعد توافقه مع الطرف الأمريكي على محاربة جماعة الإخوان المسلمين كطرف مُتشدد، وترويج أمريكا للسيسي كطرف ينتمي الى الإسلام المُعتدل.
رابعاً: يدعم كل ما تقدم، الإعلان الأمريكي عن تفعيل الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون العسكري. وهو ما بيَّنته طبيعة لقاءات السيسي بالمسؤوليين الأمريكيين من دوائر صُنَّاع القرار.
خامساً: تعزيز الحشد العربي خدمة للمشروع الأمريكي. حيث تسعى أمريكا للتعويض عن خساراتها السابقة في الرهان على الدول الخليجية، عبر رهانها اليوم على مصر والتي ما تزال تحظى بإحترام لدى شعوب المنطقة لأسباب تاريخية. كما أنها لم تُلطِّخ سمعتها عربياً بآراء متطرفة كما فعلت أغلب الدول الخليجية وتركيا لا سيما من الأزمة السورية. في حين يبقى الموقف المصري من الصراع العربي الإسرائيلي استثناءاً في ذلك.
سادساً: إقصاء السعودية! فمن المُنتظر أن يزور الرئيس المصري الرياض بعد زيارته لواشنطن. وهو سيدخل السعودية بشكل أقوى بكثير من السابق. بل ستكون الزيارة وكأنها مباركة سعودية للزعامة الإقليمية المصرية. ما سيكون له العديد من الدلالات الإقليمية والدولية بالنسبة للطرفين.
إذن حملت زيارة السيسي لأمريكا تغيُّراً جذرياً في الأدوار التي باتت شبه معروفة. لكن يجب انتظار ما ستؤول عنه نتائج الزيارات المقبلة والتي سترسم الصورة السياسية للسلوك الأمريكي الجديد تجاه الدول العربية. لكن مهما فعلت واشنطن، فهي لن تستطيع الخروج من براغماتيتها المعهودة. فما يحصل عليه السيسي اليوم في عهد ترامب، حصل عليه زعماء سابقون قبله في عهد أوباما. وهو ما يعني أن أمريكا لا تسعى سوى لمصالحها. وكما خذلت أمريكا حلفاء الأمس وأقصتهم ستفعل ذلك حتماً مع حلفاء اليوم! فالقصة لن تختلف بين براغماتية ترامب أو براغماتية أوباما.
المصدر / الوقت