العلاقة بين الأمن والطاقة في السياسة الخارجية القطرية
يسعى المسؤولون القطريون منذ نحو عقدين من الزمان للعب دور أكبر في عموم منطقة الشرق الأوسط، معتمدين في ذلك على المصادر الغنية للطاقة التي تملكها بلادهم لاسيّما في مجال الغاز.
وتأتي قطر في المرتبة الثالثة عالمياً في امتلاك احتياطي ضخم من الغاز الطبيعي، الأمر الذي ترك أثراً بارزاً في رسم طبيعة سياستها الداخلية والخارجية لاسيّما على المستوى الإقليمي.
وتمكنت أسرة “آل ثاني” الحاكمة في قطر من توظيف عائدات الغاز الهائلة في تنفيذ مشاريع استثمارية ضخمة في الخارج خصوصاً في الدول التي تحظى بأهمية استثنائية في رسم السياسة الخارجية القطرية.
وترتبط قطر بعلاقات قوية مع العديد الدول الغربية لاسيّما أمريكا وفرنسا. وأبرمت صفقات ضخمة لشراء الأسلحة من هذه الدول من بينها طائرات مقاتلة من فرنسا من طراز “رافال 24” بقيمة ستة مليارات دولار. وفي عام 2014 أبرمت صفقة لشراء أسلحة متطورة وحديثة من أمريكا بقيمة 11 مليار دولار. وتضم قطر قاعدتين أمريكيتين، إحداهما قاعدة “السيلية” قرب الدوحة وتستخدمها القيادة المركزية الأمريكية كمقر لإمداد وتهيئة المعدات العسكرية واللوجيستية اللازمة للاستخدام في العراق وأفغانستان.
وتعتبر بريطانيا من أكبر المستوردين للغاز القطري، وتأتي بعدها الصين واليابان والهند واستراليا، وكوريا الجنوبية وتايوان ودول آسيوية أخرى.
من ناحية أخرى، كانت قطر الملاذ الآمن لتركيا عندما تدهورت العلاقات التركية مع روسيا، التي كانت المورد الرئيسي للغاز الطبيعي لتركيا، بعد إسقاط طائرة “السوخوي” الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث وافقت قطر على تزويد تركيا بالغاز الطبيعي.
وأبدت قطر استعدادها لتزويد الكيان الإسرائيلي بالغاز وإلى مدة غير محدودة وبأسعار رمزية بعد توقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى هذا الكيان من خلال خط الأنابيب المصري الواقع في سيناء بعد أن فجره مسلحون مجهولون قبل سنوات.
وتعتبر قطر من البلدان القليلة السكان والمساحة في الشرق الأوسط إلاّ أنها تعتبر في مقابل ذلك من الدول المؤثرة في تطورات المنطقة من الناحيتين السياسية والأمنية، وقد لعبت دوراً في أحداث دارفور “في السودان” وإثيوبيا وإريتريا ولبنان والصومال واليمن والصحراء الغربية وأفغانستان وإندونيسيا. كما سعت إلى التوسط في عدد من القضايا كالخلافات بين الغرب والجماعات الإسلامية المتطرفة، وبين حركة حماس والكيان الإسرائيلي.
ولعبت قناة “الجزيرة” القطرية دوراً ملموساً في رسم السياسة الإعلامية التي تنتهجها قطر إزاء قضايا المنطقة لاسيّما فيما يتعلق بتطورات الأحداث في سوريا وليبيا ومصر ودول أخرى في المنطقة.
وعلى الرغم من هذه الحقائق لازالت قطر دون مستوى طموحها بالتأثير في المعادلات التي تحكم الشرق الأوسط بسبب افتقادها للعناصر الأخرى المؤثرة في هذا المجال، خصوصاً الاستراتيجية الواضحة والقدرة على تحقيق التوازن إزاء الأزمات التي تشهدها المنطقة.
وترغب قطر في زيادة نفوذها، غير أن سياستها الخارجية ابتليت بالحسابات غير الدقيقة إزاء القضايا الإقليمية لاسيّما تجاه مصر وسوريا والتي زادت من عدم الاستقرار في عموم المنطقة.
وترتبط قطر بعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت تأمل بأن تهيمن الجماعة على المشهد السياسي في البلدان التي تنشط فيها، لكن عندما أطيح بحكومة الإخوان في مصر في تموز/يوليو 2013، دعمت السعودية الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”، واستمرت قطر في دعم الإخوان، ما دفع الرياض إلى زيادة الضغط على الدوحة لتغيير مسارها.
وسعت كل من قطر والسعودية إلى كسب النفوذ في سوريا من خلال دعم الجماعات المعارضة في هذا البلد والتي تهدد الاستقرار الإقليمي.
وابتعدت قطر عن دورها التقليدي في السياسة الخارجية باعتبارها وسيطاً دبلوماسياً، لقبول التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودعم الدول التي تمر بمراحل انتقالية. وزاد التشكيك في دوافع الدوحة السياسية في التعاطي مع هذا الواقع عبر العودة إلى اعتماد سياسة خارجية أكثر براغماتية.
فقد تخلت قطر ومنذ وقت طويل عن سياسة الحياد لصالح موقف واضح مع أو ضد بعض اللاعبين في المنطقة. فبينما أيّدت المتظاهرين في تونس وليبيا وأماكن أخرى، وقفت بشكل مباشر إلى جانب حكومة آل خليفة في البحرين ضد المتظاهرين السلميين الذين يطالبون بالإصلاحات السياسية في هذا البلد.
وعلى الصعيد الداخلي راهنت قطر على قدراتها المالية في معالجة أي تحد أو مطالب تدعو إلى اعتماد الديمقراطية في حكم البلاد، وذلك من خلال رفع رواتب الموظفين والقوات المسلحة.
على العموم يمكن القول بأن السياسة الخارجية القطرية تنطلق من عاملين أساسيين: المحدوديات التي يفرضها موقع البلاد، ونظرة مسؤوليها إلى السبيل الأفضل لتخطي هذه العقبات. وقد أرغم هذان العاملان الأسرة الحاكمة على السعي إلى إبرام سلسلة من الاتفاقات الحمائية والأمنية مع دول أخرى في مقدمتها أمريكا.
المصدر / الوقت