التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الأسرى الفلسطينيون يواجهون سياسات الاحتلال وتعذيبه بصمودٍ وتحد 

وكالات – الرأي –
ينتهج جيش الاحتلال الإسرائيلي، سياسة الاعتقالات، كممارسة يومية، وأداة للانتقام، وبث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين، والتأثير على توجهاتهم بصورة سلبية، محاولًا من خلالها إخماد المقاومة، والتأثير على جمهورها.

ويواجه الأسرى الفلسطينيون سياسات الاحتلال، وقوانينه، وعدوانه المتواصل عليهم، بصلابة وتحدٍ، كونهم يدركون أنهم رأس حربة في المواجهة المستمرة.

ويواصل العدو، سياسة التعذيب التي لم تعد بهدف انتزاع المعلومات من الأسرى فقط، بل صارت بقصد كي وعيهم، وتحطيم معنوياتهم، وتحويلهم لأشخاص معاقين فكريًا وسلوكيًا، فالتعذيب يترك آثارًا نفسية مدمرة على المديين القصير والبعيد.

ورغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت في أيلول/ سبتمبر عام 1999، قرارًا يقضي بوقف التعذيب الجسدي خلال استجواب الأسرى الفلسطينيين، غير أنها استثنت من وصفتهم بـ”القنابل الموقوتة” الذين لديهم معلومات من الممكن أن تهدد حياة الإسرائيليين. لكن هذا الوصف فضفاض، وترك الباب مفتوحًا أمام محققي “الشاباك” لممارسة التعذيب وشرعنته.

الأسير رياض ناصر (39 عامًا) من قرية دير قديس، غرب محافظة رام الله، وسط الضفة المحتلة، تحدث عن تجربته القاسية مع التحقيق، فقال: “بعد شهر من التحقيق في مركز المسكوبية، وفي منتصف العام 2014، دخلت المحققة “نورا” على زنزانتي، وأخبرتني بأنهم حصلوا على قرار يسمح باستخدام التحقيق العسكري بحقي، وأن هذا القرار صادق عليه رئيس “الشاباك” يورام كوهين ومن قبله رئيس الوزراء، وختمت حديثها: “اليوم سنأخذ منك إفادة بالقوة”.

وأضاف: “بعدها، نُقلت إلى غرفة واسعة أرضيتها مغطاة بالبطانيات، وهناك كان باستقبالي محقق آخر صرخ قائلاً: عام 1998 قتلت في هذه الغرفة الأسير عبد الصمد حريزات، والليلة سأقتل الشخص الثاني، وهو أنت”، فيما قال آخر: “لا خيار أمامك: تتكلم أو تموت، وإن كانت محظوظاً، فستخرج مشلولاً”.

وتابع ناصر: “بعدها أجلسني المحققون على كرسي صغير بلا ظهر، ويداي مقيدتان خلف ظهري، ووضعوا على عينيّ نظارة بلاستيكية معتمة، ثم تعرضت لصفعة قوية على وجهي أفقدتني السمع مؤقتًا، ثم وقعت على الأرض مغشيًا عليّ من شدة الضربة”.

وأشار إلى أن “المحققين أجلسوه بطريقة تشبه الضفدع، ثم أمسكه محقق من الخلف، وتولى آخر مهمة ضربه على الوجه والرقبة والصدر، وعند سقوطه على الأرض، كانوا ينهالون عليه بالركلات على جميع أنحاء جسمه”.

واستطرد: “كنت أُجبر على الوقوف على الحائط ورجلاي على شكل زاوية 90 درجة، في حين كان أمامي محقق وعن يميني آخر وعن يساري ثالث، وهؤلاء جميعاً كانوا يصرخون ويضربون منطقة الوجه والصدر والأذن، وإذا وقفت أو جلست على الأرض ينهالون عليّ بالركلات”.

وعن الأساليب الأخرى، ذكر ناصر شد الكلبشات بقوة على اليدين حتى تتخدرا بشكل كامل ولا تحس بهما، ورفع اليدين إلى الخلف على الطاولة، فيما يجلس محقق على منطقة الركب، ويبدأ بالضرب على الوجه، بالإضافة إلى ضرب منطقة الفخذين عند الوقوف حتى تتورم الأرجل، عندها يفقد الأسير القدرة على المشي إلا زحفاً.

“كما يعمل المحققون على إدخال “ريشة” في الأنف والإذنين بعد تلقي الصفعات وهو ما يؤدي لفقدان التوازن والوعي والقدرة على التحكم والسيطرة بالجسم”، حسب وصفه.
وتابع: “خلال التحقيق وبسبب وضعيات الشبح الصعبة والضرب والركل، بدأ جسمي يتصبب عرقاً، إضافة لإصابتي بنزيف حاد من الأنف والفم وعند قضاء الحاجة (…) خلال التعذيب كنت أصرخ من شدة الألم “يا الله”، وكانوا يردون: الله مش موجود في المسكوبية ولا يستطيع الدخول إليها!!”، قالوا باستعلاء.
أسلوب “المافيا”
من ناحيته، تحدث الأسير المحرر (م.ر) (35 عامًا) من إحدى قرى شمال غرب القدس، عن تجربته مع التحقيق العسكري فقال: “في صباح يوم الأحد 29 رمضان 2014، أوقفني الجنود على أحد الحواجز العسكرية قرب بيت لحم، وبعد تفتيش دقيق لسيارتي، ادعى الجنود أنها مفخخة، عندها وصل محققو الشاباك إلى المنطقة، فجردوني من جميع ملابسي عدا الداخلية”.

وأكمل: “بعدها نقلوني لمنطقة بعيدة عن الحاجز ثم قيدوني بكلبشات شدوها على معصمي بشكل كبير، وبعد ساعتين تجمد الدم في يديّ وصار لونهما أزرق، وترافق ذلك مع أسئلة المحققين وضرب على الأيدي والأكتاف والوجه، وبقيت على هذه الحالة أكثر من 5 ساعات”.

وأضاف: “بعدها نُقلت إلى مشفى “شعاري تصيدق” في القدس، وخضعت لبعض الفحوصات وتطبيب لمكان الكدمات والجروح، وفي اليوم التالي نقلت إلى مركز المسكوبية، وهناك أبلغني المحققون أن مسؤول “الشاباك” وافق على استخدام التحقيق العسكري لمدة 22 ساعة”.

وأشار (م.ر) إلى أن المحققين قالوا له: إذا لم تتجاوب معنا سنستخدم أسلوب “المافيا”، وفي تمام الساعة 8 مساء أي قبل عيد الفطر بيوم واحد بدأ التحقيق.

وتابع: “نقلت إلى غرفة رقم 26، وعلى الفور عاجلني أحد المحققين بلطمة على الوجه، ثم ضربني آخر على فخذي بقوة فوقعت على الأرض، ثم حضر إلى الغرفة ثلاثة محققين أجبروني على الوقوف مرة أخرى وأعادوا الكرة من جديد”.

“بعد ذلك أجلسني المحققون على كرسي بلا ظهر وجعلوا رأسي متدليًا حتى لامس الأرض، وصار جسدي على شكل “موزة”، في هذه الأثناء أصابني ألم شديد ترافق مع صوت “طقطقة” في فقرات الظهر، ما اضطرهم لفك وثاقي، ثم طرحوني أرضًا، واستدعوا الطبيب فضغط على الفقرة التي تحركت من مكانها، عندها صرخت من شدة الوجع ثم فقدت الوعي، وعندما استيقظت كنت لا أقوى على تحريك قدمي، وظننت أنني أصبت بالشلل، عندها أحضروا كرسيًا متحركًا”.

وبيّن (م.ر) أن التعذيب يشرف عليه طبيب خاص، وكل أسلوب يكون محددًا بسقف زمني محسوب بالثانية، مع استمارة خاصة يحملها المحققون عند كل جولة، لافتًا إلى أن كل ذلك كان يترافق مع شتائم بذيئة، وتهديد باعتقال الزوجة، واغتصابها.
ومن مشاهد التعذيب الأخرى، أكد الأسير المحرر أنه التقى بأسير خلع المحققون نصف أظفره وأبقوا نصفه الآخر، ما أضطره لسحب بقيته بأسنانه، في حين خلع آخرون فك أسنان أسير بعد ضربه لكمة قوية، ثم أعاده الطبيب إلى مكانه دون “بنج” أو عملية جراحية.

تعذيب بلا آثار
من ناحيتها، أوضحت الباحثة القانونية في مؤسسة الضمير رشا عباس أن “التحقيق العسكري” مصطلح ليس له أي أصل قانوني، ولكن ابتدعه الأسرى من أجل وصف ما يتعرضون له، مشيرةً إلى أنه يمكن وصفه بأنه تحقيق عنيف وقاسٍ يتخلله تعذيب جسدي بقصد انتزاع المعلومات.

وكشفت أن الأسير قد يصاب بعاهة مؤقتة خلال خضوعه لهذا النوع من التحقيق كعدم القدرة على المشي أو السمع، وبعد فترة قصيرة يعود لحالته الطبيعة، كما أن المحققين يحرصون على عدم ترك أي أثر على جسد الأسير، خوفًا من الملاحقة القانونية.

وبيّنت أن “التحقيق العسكري” ومنذ عام 1999 مرّ في مراحل مختلفة بين صعود وهبوط، حيث كان الأمر كان مقترنًا بالوضع الأمني الميداني، مؤكدة في الوقت ذاته أن عملية خطف المستوطنين الثلاثة قرب الخليل في حزيران 2014 شكلت انعطافةً حادة في ارتفاع وتيرة التحقيق العسكري، وتوسيع دائرته لتشمل تهمًا أقل خطورة.

ونوّهت عباس إلى أن الإفادات التي تؤخذ من الأسرى بعض تعرضهم لهذا النوع من التحقيق باطلة وغير قانونية لأنها أخذت بالإكراه.

وعن احتمالية توجه المؤسسات الحقوقية للمحكمة العليا الإسرائيلية لتعديل الصيغة التي أقرتها عام 1999، أشارت إلى أن هذا الأمر غير وارد في المرحلة الحالية بسبب غياب العمل الجماعي المنظم، مؤكدة في الوقت ذاته على وجود ضغوطات أخرى على القضاء الإسرائيلي وتواصل مع المؤسسات الدولية لوقف هذه الانتهاكات.

تحقيق بلا توثيق!
بدوره، قال مدير وحدة الأبحاث في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في رام الله وسام سحويل: “إن القوانين الدولية ترفض التعذيب جملة وتفصيلة، ودون أي استثناءات مهما كان سببها، وهو الأمر الذي لا تلتزم به “إسرائيل”، رغم أنها واحدة من 194 دولة موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب”.
ورأى الباحث الحقوقي أن القرار الصادر عن المحكمة العليا الإسرائيلية في أيلول 1999 ما هو إلا كذبة شرعنت التعذيب، ووفرت الحماية والحصانة لرجال “الشاباك”، لافتًا إلى أن الاحتلال استكمل مؤخرًا القرار السابق بإعفاء المحققين من توثيق جلسات التحقيق من خلال الكاميرات.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق