خطأ أمريكي أم صدفة: كيف فضحت غارة دير الزور مسرحية خان شيخون؟
بعد أسبوعٍ حافلٍ بالترويج الإعلامي والسياسي الغربي ضد الدولة السورية، ومحاولة إلصاق تهمة امتلاك أو استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيميائية ضد شعبه، من خلال مسرحية خان شيخون، جاءت الغارة التي شنَّها التحالف ضد مقرٍ للتنظيمات الإرهابية شرق دير الزور، لتفضح امتلاك الجماعات الإرهابية للسلاح الكيميائي. الأمر الذي طرح التساؤلات لدى العديد من المراقبين، خصوصاً مع معرفة الجميع بأن أطراف إقليمية وغربية تقف خلف دعم هذه التنظيمات ومن ضمنها أمريكا. فكيف يمكن قراءة هذا الحدث في إطار الحملة المُفبركة ضد الدولة السورية؟ وما هي دلالات ذلك فيما يتعلق ببراغماتية أمريكا ودعمها للإرهاب؟
التنظيمات الإرهابية تفضح واشنطن!
أكدت القيادة العامة للجيش السوري في بيانٍ لها أن طيران التحالف الدولي استهدف مقراً لتنظيم داعش الإرهابي في قرية حطلة والتي تقع شرق دير الزور، ما أدى الى انفجار مستودع ضخم يحتوي على كمية كبيرة من المواد السامة. وأدى الإنفجار بحسب بيان الجيش السوري، الى تشكُّل سحابة بيضاء تحولت إلى صفراء مما يعني أن المستودع يحتوي على كمية كبيرة من المواد السامة. وأضاف البيان أن الضربة الجوية أدت إلى نشوب حريق استمر لساعات طويلة وتسبَّب بسقوط مئات القتلى بينهم أعداد كبيرة من المدنيين نتيجة الإختناقات الناجمة عن استنشاق المواد السامة. وأشار البيان إلى أن هذه الغارة تؤكد امتلاك التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمي داعش وجبهة النصرة للأسلحة الكيميائية وقدرتها في الحصول عليها ونقلها وتخزينها واستخدامها بمساعدة دول معروفة في المنطقة.
مكافحة الإرهاب بالعين الأمريكية: ورقة متعددة الأهداف!
لا بد أولاً من الإضاءة على البراغماتية التي تستخدمها واشنطن فيما يخص مكافحة الإرهاب وذلك من خلال التالي:
أولاً: تستخدم أمريكا ملف مكافحة الإرهاب كورقة مُتعددة الأهداف. حيث ترفع من وتيرة عملياتها ضد التنظيمات الإرهابية عبر استهداف مقارها في الوقت الذي تُريد إيصال رسالة للعالم بأنها تُكافح الإرهاب في كل مكان. والهدف من ذلك سعيها لتلميع صورتها والعمل على الترويج لنفسها كمُنقذ للدول وشعوب المنطقة.
ثانياً: من خلال المراجعة التاريخية الموضوعية، تبيَّن وبالدلائل القاطعة، أن أمريكا هي من صنعت الإرهاب بالتعاون مع دول كبريطانيا والسعودية وأطراف كالكيان الإسرائيلي والقاعدة التي باتت أمَّ الحركات التكفيرية. وهدفت من ذلك لإيجاد ما يُشغل المنطقة وشعوبها بصراعات طويلة الأمد تحتاج من خلالها لمُنقذ. فيما روَّجت للإرهاب تحت مُسميات عديدة وروَّجت لنفسها كمُحارب للإرهاب.
ثالثاً: عبر التجربة الجديدة لأمريكا في مكافحتها للإرهاب، وتحديداً في العراق وسوريا، تبيَّن أن واشنطن كانت تقوم في كثير من الأحيان بالتغطية على الإرهابيين عبر إنشاء جغرافيا عسكرية مُساعدة لتأمين استمرارهم، عبر منع تقدّم كل من القوات العراقية أو السورية في حربها لطردهم. الأمر الذي فضحها وجعل شعوب المنطقة تُدرك أن أمريكا تستخدم الإرهاب كورقة وعلى حساب شعوب المنطقة.
رابعاً: نتيجة لذلك، وبعد أن فقدت أمريكا مصداقيتها فيما يخص ورقة مكافحة الإرهاب، اضطرت واشنطن لخلق أوراق جديدة تُساهم في تأمين استمراريتها وقدرتها على التدخل في شؤون المنطقة. فكانت ورقة الأسلحة الكيميائية لدى الدول، والتي كانت تُطلقها كلما أرادت محاصرة أي نظام معارض لسياستها. وهو ما جرى ويجري اليوم مع النظام السوري، فيما يخص مسرحية خان شيخون.
الإستهداف الأخير: كيف فضحت واشنطن نفسها؟
هنا يمكن قول التالي:
أولاً: إن الغارة التي قام بها التحالف على مقر للتنظيمات الإرهابية في دير الزور، وما نتج عنها من مقتل مدنيين، تُثبت عدم أهلية واشنطن في قدرتها على التعامل مع ملف محاربة الإرهاب بما يتناسب مع مصلحة شعوب المنطقة وتحديداً الشعب السوري اليوم. حيث أن الإستهداف لمقار التنظيمات يجب أن يكون دقيقاً ومحصوراً بالإرهابيين.
ثانياً: إن الإستهداف الذي حصل، والنتيجة التي ظهرت، بأن المقر كان يحتوي على مُستودع للسلاح الكيميائي، يدل على أن الإرهابيين يحصلون على كافة أنواع السلاح، حتى الأسلحة المُحرمة دولياً، وبالتالي الأسلحة الكيميائية. وهو ما يعني أن الأطراف التي تقف خلف تمويل ودعم هذه التنظيمات تتحمَّل مسؤولية ذلك.
ثالثاً: إن إستحواذ الجماعات الإرهابية على الأسلحة الكيميائية، ليس بالأمر المُستغرب، طالما أن هذه التنظيمات لديها عقيدة إجرامية، وتنتهج أساليب لا تتوافق مع الطبيعة البشرية وتقوم بأعمال لا تقل عن الذبح والترهيب. الأمر الذي يُخالف العقائد التي تمتلكها الجيوش التنظيمية والتي تسعى لحماية أرضها وشعبها كالجيش السوري على سبيل المثال. وهو السبب الأساسي الذي دفع جنرالات في الجيش الأمريكي لتأكيد اعتقادهم زيف ادعات ترامب تجاه الأسد!
رابعاً: يمكن القول إن الإستهداف ونتائجه التي أزهقت أرواح مدنيين، وفضحت السلاح الكيميائي الذي تمتلكه التنظيمات الإرهابية، يُناقض كل ما ادعته واشنطن في حملتها الإعلامية والسياسية على الدولة السورية خلال الأسبوع الحالي. ويدعم ما ادعته الدولة السورية وما أكده الرئيس السوري خلال مقابلته الأخيرة.
خامساً: أثبتت واشنطن ضعفها السياسي والعسكري، وحاجتها الدائمة لصناعة الوهم من أجل تحقيق مصالحها ولو على حساب الشعوب والدول. في حين يمكن القول إن سلوكها فضح المستوى الحقيقي لقيمها السياسية والتي تُتاجر بدماء شعوب المنطقة.
سادساً: يحتاج ما جرى لوقفة إقليمية ودولية داعمة للدولة السورية في حربها على الإرهاب الذي أثبتت أمريكا أنها تُديره. وهذا يبدأ من خلال منع إستمرار استنزاف واستغلال حقوق الشعب السوري، وإجراء تحقيق شفَّاف كانت الدولة السورية أوَّل من طالب به، من أجل فضح حقيقة هذه الأسلحة وكيفية وصولها الى التنظيمات الإرهابية ومسؤولية الدول الداعمة لا سيما الخليجية والغربية.
هي ليست المرة الأولى التي تقوم بها واشنطن بقتل المدنيين، حيث أنها قامت باستهدافهم مراراً في العراق وسوريا تحت حجة مكافحة الإرهاب. لكن الجديد اليوم يتعلق بما فضحته غارة دير الزور. فهل هي صدفة أم خطأ؟ وكيف ستتعامل واشنطن مع التساؤلات حولها؟ وهل ستُدين أمريكا الدول التي تقف خلف تسليح هذه الجماعات من خلال أبواقها الإعلامية والسياسية كما فعلت مع الدول السورية أم ستؤكد إزدواجية معاييرها كالعادة؟
المصدر / الوقت