تل أبيب تعيش القلق أمام حربٍ من نوعٍ آخر: كيف أخضع الأسير الفلسطيني الكيان الإسرائيلي؟
يبدو أن انتفاضة الأسرى في السجون الفلسطينية، أخذت مساراً مؤثراً جعل الكيان الإسرائيلي في حالةٍ من القلق والترقُّب. فالإنتفاضة مشروعة، ومطالبها إنسانية وحقوقية، وهو ما يُعتبر نقطة ضعف تل أبيب. والخوف لا يتعلق فقط بالتحرك المُحق الذي يقوم به الأسرى، بل بما قد يترتب عنه من نتائج محلية ودولية ضاغطة على الكيان الإسرائيلي. فماذا في معركة الأسرى في السجون الفلسطينية؟ وكيف كانت مصدراً للوحدة الفلسطينية؟ ولماذا تشعر تل أبيب بالقلق؟ وكيف ستكون نتائج هذا التحرك؟
معركة الأسرى في السجون: ما هي القصة؟
بالأمس وتزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني، بدأ ما يُقارب 1500 أسير إضراباً عن الطعام في سجون الإحتلال الإسرائيلي تحت عنوان “إضراب الحرية والكرامة”، لتحقيق جملة من المطالب يعتبرونها حقوقاً سلبتهم إياها إدارة السجون الإسرائيلية بقيادة الأسير مروان البرغوثي.
وتعددت مطالب الأسرى والتي يبدو من خلالها حجم الإهانة والظلم الذي يتعرضون له. حيث توزعت المطالب على حقوق طبيعية كإنهاء سياسة العزل الإنفرادي والإعتقال الإداري، بالإضافة الى منع الإهمال الطبي بحق الأسرى و وإطلاق سراح الأسرى الذين يعانون من حالات مرضية معينة ومستعصية أو لديهم إعاقات.
ويعد هذا الإضراب الأوسع منذ حصول الإضراب الجماعي عام 2012، والذي استمر لما يُقارب الشهر، وانتهى بتحقيق عدد من مطالب الأسرى كإنهاء العزل الإنفرادي وإعادة السماح بالزيارة لعائلات الأسرى من قطاع غزة.
في يوم الأسير الفلسطيني: الفصائل توحَّدت حول مطالب محقة
بدا التحرك موحداً ويُعبِّر عن مطالب كافة الفلسطينيين شعبياً ورسمياً. فقد أصدرت الهيئة القيادية العليا المسؤولة عن أسرى حركة حماس بياناً أعلنت فيه المشاركة الكاملة لأسراها في سجن هداريم إلى جانب إخوانهم من مختلف الفصائل الفلسطينية في هذا الإضراب مُحذرة مصلحة السجون الإسرائيلية من المسِّ بالأسرى. وهو ما جاء متوافقاً مع النداء الذي أطلقه رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس والذي أشار الى أن أربعة أسرى من سجن النقب قرروا المشاركة في الإضراب على الرغم من أنهم يعانون من مشاكل صحية. وهو ما جاء متكاملاً مع الرسالة التي وجهها عضو اللجنة المركزية في حركة فتح والمسؤول عن الإضراب الأسير مروان البرغوثي والتي دعى فيها الى الإستمرار بالإضراب والتوقف عن الحوار أو التفاوض مع مصلحة السجون أو ممثلي الإدارة في أي سجن.
الكيان الإسرائيلي يعيش القلق!
عدة إشارات خرجت من وسائل الإعلام الإسرائيلية تُثبت وجود قلق إسرائيلي نُشير لها في التالي:
أولاً: حذَّرت القيادة الإسرائيلية من أن يُؤثر الإضراب على الشارع الفلسطيني لا سيما لجهة قيام الفلسطينيين بتنفيذ احتجاجات ومظاهرات ومسيرات داعمة للأسرى الفلسطينيين. مما يجعل المشكلة متعددة الأوجه وصعبة الحل. وهو ما يعني إعتبار الكيان الإسرائيلي أن الإضراب هو امتداد للإنتفاضة.
ثانياً: كانت أول محاولات إحتواء الإضراب هو ما أوعز به وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي “غلعاد اردن” بتوفير العلاج المباشر للأسرى عبر إقامة مستشفى ميداني خارج جدران سجن كتسيعوت بهدف منع نقل الأسرى إلى المستشفيات العامة في حال احتاجوا للعلاج الطبي.
ثالثاً: قامت مصلحة السجون بنقل الأسرى المؤثرين في تفعيل الإضراب ونشرهم بين السجون المختلفة. وهو ما جرى مع الأسير مروان البرغوثي، حيث تم نقله إلى سجن الجلمة، بحجة نشره مقالاً صحفياً في مجلة أمريكية يشرح فيه سبب الإضراب.
إنتفاضة الأسرى: أهم الدلالات والرسائل
عدة دلائل يمكن الخروج بها نُشير لها في التالي:
أولاً: تؤكد المطالب وجود ظلم يتعرَّض له الأسرى، يتعارض مع حقوق الإنسان وما ترعاه الإتفاقيات الدولية في التعاطي مع الأسرى وإدارة شؤونهم. وهو ما يعني أن الأسرى يعبِّرون عن حقوقهم ويعتمدون سياسة الإضراب لإيصال صوتهم الذي لم يسمعه أحد في العالم حتى اليوم، خصوصاً من المنظمات الدولية والحقوقية التي تدعي متابعتها لهكذا قضية.
ثانياً: جاء “إضراب الحرية والكرامة” كنتيجة لفشل المفاوضات التي كان يُجريها الأسرى مع مصلحة السجون وتماديها في سلب حقوق الأسرى. مما جعل الإضراب مُحقاً خصوصاً أنه يستند لمطالب حياتية وإنسانية ليس لها علاقة بالسياسية.
ثالثاً: إن انخراط جميع الأسرى الفلسطينيين في إضراب واحد بعد حصول عدة إضرابات فردية سيُعطي زخماً قوياً لحركة الأسرى في سجون الإحتلال. خصوصاً بعد أن تحوَّلت مسألة الإضراب الى إنتفاضة جديدة ومن نوع آخر، تتمتع بكل مزايا القوة أمام كيان سيقف عاجزاً عن مواجهة مطالب إنسانية لا يجد من يُطالب بها أي شيء ليخسَره.
رابعاً: يبدو واضحاً أن التعاطي الإسرائيلي ينم عن ضعف وقلق. فقد عكست إجراءات القيادة الإسرائيلية والأجهزة التنفيذية التابعة لها، حجم الخوف والقلق الذي يعيشه الكيان تجاه الإضراب. خصوصاً أن الكيان لا يمكنه اتخاذ خيار عسكري قد يُفاقم المشكلة الأمر الذي يجعله أمام خيارات محدودة سيكون أفضلها بالنسبة له الرضوخ لمطالب الأسرى.
خامساً: إن أحد أهم أسباب القلق الإسرائيلي تتعلق بتبِعات الإضراب. حيث أن التجربة الماضية أثبتت أن قضية الأسرى الفلسطينيين، تُشكل أحد أهم العوامل التي يمكن أن تُحرك الجمهور الفلسطيني. خصوصاً لقدرتها على توحيد الشارع الفلسطيني وجعل هذا الملف نقطة قوة لدى الفلسطينيين شعبياً ورسمياً.
سادساً: قد تمتد آثار الإضراب الى الخارج. حيث أن المظاهرات الشعبية الفلسطينية ستكون تحت مرأى العديد من الشعوب الإسلامية والعربية والغربية، وهو ما قد يعني تطور الحراك الى حراك سياسي إقليمي ودولي داعم وبالنتيجة ضاغط على الكيان الإسرائيلي لا سيما أن عنوانه حقوقي.
سابعاً: تُعتبر مشكلة الأسرى في السجون أحد نماذج إحتقار الكيان الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، وهي خير مثال على أحقية خيار المقاومة وفشل خيارات التسوية. حيث يبدو واضحاً أن عقلية هكذا كيان لا تستطيع الإعتراف ببعض الحقوق الطبيعية التي يُطالب بها مجموعة أسرى، فكيف له أن يعترف بحقوق شعب أو دولة. وهو ما يُسقط مشروعية خيار السلام والتسويات!
إذن، تعيش تل أبيب تحدياً جديداً يُعبر عن طبيعة الصراع بين الظالم والمظلوم. فمسار الأمور هو امتدادٌ لأحقية شعبٍ تعيش في أرضه مجموعة لم تجد لنفسها مكاناً أو مأوى تحت مُسمى “إسرائيل”. ولأن الحق لأصحاب الأرض، تبيَّن أن الأسير الفلسطيني أقوى من الضابط الإسرائيلي، في ظل امتلاكه مطالب محقة، ليس فقط لأنها إنسانية، بل لأن كل الكيان الإسرائيلي عاجزٌ أمامها!!
المصدر / الوقت