مصر وأميركا.. صفقة القرن الغامضة
في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وبينما كنت في بيروت الحرب الأهلية، لفت نظري مخطوط لكتاب، كان يصمم غلافه ويخرجه، أستاذي الفنان والصحفي الراحل عبد المنعم القصاص.
كان الكتاب يحمل عنوان “نحن وأميركا” لمؤلفه المناضل الفلسطيني الراحل نمر صالح “ابوصالح”، يتضمن رؤية تختلف كثيرا عن كتاب صدر لاحقا للكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل يحمل نفس العنوان!
قفز إلى ذاكرتي بعضا من مضامين هذا الكتاب (البيروتي)، بينما كنت أتابع زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن.
وإذا ما راجعنا العلاقات المصرية – الأميركية، خلال العقود الستة الفائتة، فسنلاحظ أنها تشهد تأرجحًا ما بين العداء والتحالف الإستراتيجي، وما بينهما من تعاون ودفء وبرود وصراع مكتوم، وصل إلى حد قطع العلاقات في العام ١٩٦٧، واستمرت الحال كذلك إلى أن عادت فى شهر مارس عام 1974، ثم تطورت هذه العلاقات إلى أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1978 المصدر الرئيسي للأسلحة، وأكبر مانح للمساعدات الاقتصادية لمصر، مع دفعها لمصر لعقد اتفاقية كامب ديفيد مع “اسرائيل”.
وبعد ذلك شهدت العلاقات المصرية ــ الأميركية نموا مضطردا، وازدهارا ملحوظا فى فترة حكم أنور السادات (1970- 1981) الذي دشن شعار 99٪ من أوراق اللعبه بأيدي أميركا، وتواصلت على نفس المستوى من العمق خلال فترة حكم حسنى مبارك، قبل أن تتوتر العلاقات خلال فترة جورج بوش الثانية، وبداية سنوات حكم الرئيس الأميركى باراك أوباما، رغم أنه بدأ توجهه للمنطقة العربية من القاهرة، التى زارها فى شهر يونيو عام 2009، ووجه منها رسالته إلى العالمين العربى والإسلامى مناديا بوحدة الحضارات.
ويرجع البعض هذا التوتر إلى رهان أوباما على الإسلام السياسي، والضغط على مبارك لإعطاء حركة الإخوان المسلمين مساحات أوسع من حرية الحركة في مؤسسات الدولة. و ولذلك شهدت هذه العلاقات تطورا ملحوظا خلال عام حكم الإخوان، فتوالت زيارات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون للقاهرة، إلى أن أطاحت الجماهير بحكم الإخوان المسلمين من مصر، فكانت ذروة التوتر بين إدارة أوباما والإدارة المصرية الجديدة.
لكن هذه طويت مع قدوم دونالد ترامب لسدة الحكم في واشنطن، فساد التفاؤل أروقة الحكم في مصر، وارتفع سقف التوقعات، ببدء مرحلة جديدة من علاقات عميقة متميزة بين القاهرة وواشنطن، وتأكد ذلك من الاستقبال الذي اتسم بحفاوة واضحة للرئيس عبد الفتاح السيسي من قبل ترامب وإدارته، مما جعل القلق ينتاب كثيرين – وأنا منهم – من نتائج تلك الزيارة، خاصة مع ورود المصطلح الغامض” صفقة القرن” اثناء لقاء الرئيسين فى البيت الأبيض.
واعتقد أن نتائج مباحثات الرئيسين في الملفات الثلاثة: التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، والتعاون العسكري، والقضية الفلسطينية تثير لدي القلق، خاصة أن ما أعلن من نتائج، ظل في إطار العناوين العامة دون تفاصيل، ثم تصاعد هذا القلق إذا ما عرفنا أن ترامب لا يخفي انحيازه السافر لـ “إسرائيل”، ولا ينكر عداءه للآخر،الإسلامي والعربي، وهذا أمر واضح وجلي يستوجب من الرئيس السيسي أن يكشف للمصريين عن تفاصيل ما توصل إليه مع ترامب، وأتمنى ألا نرى في مستقبل الأيام خطوات صادمة على غرار النهج الساداتي ( زيارة القدس وما تبعها).
فالشعب المصري، في غالبيته، لا ينتظر من أميركا خيرا من واقع تجاربه السابقة. ولسان حاله يقول “يا نحله لا تقرصيني ولا عايز عسل منك”، بمعنى أن تكف عن مصر شرها، ولا ينتظر منها مساعدات مغموسة بالإذلال، ومرهونة بمواقف مصرية تفصلها عن محيطها العربي. ورسالة الدكتور جمال حمدان في هذا الأمر تقول لكم: “ومصر، بالذات، محكوم عليها بالعروبة وبالزعامة، ولكن أيضاً بتحرير فلسطين، وإلا فبالإعدام، فمصر لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها أو تنضوها عن نفسها حتى لو أرادت ـ كيف؟ وهي إذا نكصت عن استرداد فلسطين العربية كاملة من البحر إلى النهر، وهادت وهادنت، وخانت وحكمت عليها بالضياع، فقد حكمت أيضاً على نفسها بالإعدام، بالانتحار، وسوف تخسر نفسها ورصيدها، الماضي كالمستقبل، التاريخ والجغرافيا”.
إلهامي المليجي / فارس
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق