التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

عوامل انتصار الأسرى في معركة الكرامة 

في السابع عشر من هذا الشهر (نيسان) احتفل الأسرى الفلسطينيون بيوم الأسير الفلسطيني بالخوض في معركة “الكرامة” و”الإرادة”، سلاحهم الوحيد والأنجع فيها أمعائهم الخاوية في مواجهة سلاح القمع والتنكيل في السجون، والانتهاكات المنظمة بحقهم وفي سبيل نيل حقوقهم الأساسية التي كفلتها القوانين والأعراف الدولية.

وتحدث القيادي الأسير “مروان البرغوثي” باسهاب عن معاناة الأسرى الفلسطينيين ودوافعهم في الإضراب الجماعي المفتوح عن الطعام، في مقال له نشر يوم الاثنين الماضي 17 أبريل، مؤكدا أن الأسرى بعد استنفاذ كل السبل والإمكانيات، لم يكن أمامهم خيار سوى مقاومة القمع والإذلال من خلال الاضراب المفتوح عن الطعام.

هذه ليست المرة الأولى التي يخوض الأسرى الفلسطينيون إضرابا جماعيا، ولن تكون الأخيرة. وما يميز معركة الأسرى هذه المرة عن معاركم السابقة، أنها تجري في ظل ظروف أكثر مأساوية وحساسية، يعيشها الشعب الفلسطيني، ولاسيما في قطاع غزة، حيث لا تختلف أوضاعهم كثيرا في سجنهم المفتوح عن أوضاع الأسرى في السجون المغلقة. وهذا يعني أن الانسان الفلسطيني سواء كان خلف القضبان أو خارجه يعيش في الأسر بتفاوت ظروف الاعتقال بين السجون المفتوحة أو المغلقة. أكاد أجزم أنه لا يوجد شعب في تاريخ البشرية عانى من الأسر والاعتقال كما يعاني منه الشعب الفلسطيني اليوم، حيث سجّل نحو مليون حالة اعتقال منذ بدايات الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948.

بعد تناول دوافع الأسرى في خوض معركة الكرامة، لعل السؤال المشروع الذي يطرح نفسه بقوة، وعلينا البحث عن إجابة له، هو ما مصير هذه المعركة وأسباب نجاحها؟

لا شك أن أسباب نجاح هذا الاضراب لا تختزل كلها بصمود المضربين أنفسهم فحسب، الذين أكدوا أنهم صامدون ولا يتراجعون قيد أنملة إلا إذا وافقت إدارة السجون الإسرائلية على مطالبهم الإنسانية، بل تتعداهم تلك الأسباب إلى عوامل أخرى لا تقل أهمية عن صمود الأسرى أنفسهم، وهي تعجّل بنصرهم على السجّان الإسرائيلي. أهم تلك العوامل هي:

أولاً: وقوف الشعب الفلسطيني بكافة فصائله وقواه الإسلامية والوطنية إلى جانب الأسرى في دعم مطالبهم وتحقيقها، من خلال توظيف كافة القدرات والإمكانيات المتاحة لهم، لاسيما النزول إلى الشوارع وتنظيم مظاهرات حاشدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، واعطاء قضية اضراب الأسرى المساحة الأوسع في اهتماماتهم هذه الأيام. كما يجب الكف عن التراشقات الإعلامية بين هذا الفصيل وذلك، والانشغال فيما لا يخدم القضية الفلسطينية والقضايا المصيرية المتفرعة عنها، ووضع الخلافات جانبا لمصلحة تحقيق المطالب التي يناضل أسرانا من أجلها بأمعائهم الخاوية. الأسرى اليوم يمثلون مدرسة للنضال ضد الاحتلال، وقدوة يقتدى بها.

ثانياً: حشد الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم في دعم الأسرى في محنتهم عبر القيام بما تستحق المعركة التي يخوضها أسرى الحرية خلف القضبان. هنا يبرز دور الأحزاب والقوى في الدول العربية والإسلامية والعالم المناصر لفلسطين في تحريك فعاليات شعبية وجماهيرية في هذا الظرف الدقيق الذي تعاني فيه القضية الفلسطينية من حالة تهميش، تسببت بها الأزمات الطاحنة التي تواجهها الأمة العربية والإسلامية.

ثالثاً: قيام الحكومات العربية والإسلامية المناصرة للشعب الفلسطيني بحملة دبلوماسية دولية لطرح قضية الأسرى في الأوساط الدولية، ولاسيما في مؤسسات حقوق الانسان الأممية.

رابعاً: حملات إعلامية عالمية مكثفة خلال فترة الإضراب تبرز أكثر معاناة الأسرى في السجون ومطالبهم الانسانية، وتظهر مدى الظلم الكبير الواقع عليهم من قبل السلطات الإٍسرائيلية.

جملة هذه العوامل من شأنها تحقيق أهداف مهمة، هي: الأول، تعزيز صمود الأسرى في إضرابهم وعدم تركهم وحدهم في ساحة المواجهة، والثاني، إفشال المخطط الإسرائيلي والحرب النفسية التي تشنها الآلة الإعلامية الإسرائيلية أو الموالية لها ضدهم في العالم ووصفهم بـ”القتلة” و”الإرهابيين”، للحيلولة دون بلورة تضامن عالمي مؤثر يفضح أكثر من قبل الكيان الإسرائيلي وممارساته بحق الشعب الفلسطيني، والثالث، المساهمة في إخراج القضية الفلسطينية من حالة التهميش التي تعاني منها، وإعادتها إلى صدارة القضايا الإقليمية والدولية، باعتبارها “أم القضايا”.

وحال لم تتوفر تلك العوامل آنفة الذكر في ظل الأولويات التي مازالت تتصدر الاهتمامات العربية والاسلامية منذ عام 2011، سيبقى صمود الأسرى رمز نجاحهم الوحيد ونصرهم المتوقع. وكما سجّل (الأسرى) الذين خاضوا اضرابات فردية خلال الأعوام الماضية أمثال خضر عدنان، وسامر العيساوي، وأيمن الشراونة، ومحمد القيق، انتصارات هامة، سينتصر المضربون (بشكل جماعي) عن الطعام أيضا، والقيد سيهزم السجان.

كما يتوقع أن يواصل الكيان الإسرائيلي إجراءاته القاسية مثل عزل الأسرى كما حدث مع الأسير مروان البرغوثي، وحربه النفسية والإعلامية لثنيهم عن الاضراب دون الخضوع لمطالبهم، مثل التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، مثل اصدار أوامره لمصلحة السجون بعدم اجراء أي تفاوض مع الأسرى المضربين عن الطعام، واقتراح اتباع طريقة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر وترك السجناء المضربين يموتون، والحديث مجددا عن سن قانون “إعدام الأسرى”.

هنا لا بد من التنويه أن هذه السياسة قديمة حديثة يتبعها الاحتلال الاسرائيلي ضد الأسرى الفلسطينيين الذين يخوضون الإضراب عن الطعام، سواء كان الإضراب فرادا أو جماعيا، لكن التجربة أثبتت ولاسيما خلال السنوات الماضية، أن الكلمة الأخيرة لصمود الأسير أو الأسرى المضربين.

وأخيرا، ما يمكن قوله إنه نظرا لحجم التفاعل الكبير الذي يتوقع أن تلقاه عادة الإضرابات الجماعية محليا، وإقليميا ودوليا، على الأغلب سيخضع الكيان الإسرائيلي لمطالب الأسرى بعد أيام، ولعل أسبوع أو أسبوعين على الإضراب.

بقلم: صابر كل عنبري / فارس

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق