التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

لازدواجيّة الأمريكية حيال بغداد: تسليح البيشمركة آخرها! 

تُبدي الإدارة الأمريكية الحاليّة اهتماماً بالغاً بعلاقتها مع بغداد. وفي حين تسعى لإمساك العصا من الوسط بين الحكومة المركزيّة وإقليم كردستان العراق، إلا أنّها تميل في تصاريحها ومواقفها الإعلاميّة إلى دعمها لاستقلال العراق ووحدة أراضيه، بيد أنّ مواقفها العسكريّة تؤكد عكس ذلك تماماً، وليس آخرها إبرام صفقة عسكرية بقيمة 295.66 مليون دولار مع قوات البيشمركة الكرديّة.

يعدّ الدعم الأمريكي للعراق تحت مظلّة الحرب على داعش أحد أبرز العناوين التي تستخدمها واشنطن إعلاميّاً وسياسيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً، ولعل هذا الأمر أحد أبرز العناوين التي تصدّرت لقاء العبادي-ترامب الشهر الماضي في واشنطن حيث طالب الأخير الأوّل ببقاء قوات بلاده في العراق في مرحلة ما بعد داعش.

ونظراً لحساسيّة الوضع العراقي لم تكتفِ أمريكا بكلام ترامب، بل زار وفد عسكري رفيع مطلع الشهر الجاري العاصمة العراقيّة بغداد برئاسة الجنرال جوزيف دنفور، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، ضمّ كلاً من الجنرال ستيفن تاونزند، قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا، وجيراد كوشنر، المستشار الأقدم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتوم بوسرت، المستشار الأقدم لمستشار الأمن الوطني الأمريكي، ودوغلاس سليمان، السفير الأمريكي لدى العراق، وجرى خلال هذا اللقاء بحث سير معركة الموصل، ودعم التحالف الدولي للعراق، وتدريب وتسليح القوات العراقية.

لا شكّ أن الزيارة لم تكن لعيون العبادي أو أي مسؤول عراقي آخر، بل إن هيكيليّة الوفد العسكرية ورسائل المضمون الاقتصاديّ تؤكد فحوى كلام ترامب خلال لقائه العبادي، سواء فيما يتعلّق ببقاء القوّات الأمريكية في العراق في مرحلة ما بعد داعش من ناحيّة، وإبرام الصفقات العسكرية مع هذا البلد الذي أهدرت فيه أمريكا 3 ترليون دولار وفق ترامب من ناحية أخرى.

تسليح البيشمركة: مقدّمة الانفصال؟

إلا أنّ ما جرى مؤخّراً ويجب أن تتنبّه له الحكومة العراقيّة بشكل كبير، هو ما يتعلّق ببيع أمريكا ماقيمته نحو 300 مليون دولار من اسلحة وعتاد لقوات البيشمركة دون مراجعة بغداد، خاصّة أن هذه الصفقة تضمّ اسلحة ثقيلة ومدافع بعيدة المد، وفق وكالة التنسيق الدفاعي والامني الامريكي.

الازدواجيّة الأمريكية هذه التي تأتي بالتزامن مع إعلان واشنطن مراراً على استقلال العراق ووحدة أراضية، وتؤكد وجود نيّة سوء، وفعل سوء، لدى الإدراة الأمريكية الحاليّة، وهو ما دفع بالكثير للتساؤل بعد تسليح ترامب للبيشمركة بالتساؤل ما هو موقفه ترامب من استقلال كردستان العراق؟ وهل هذا الأمر هو مقدّمة للتقسيم؟

الصمت العراقي بدا واضحاً حيال الخطوة الأخيرة التي توضح الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بتسليح العراق، على الرغم من أن وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون أكدت أن الصفقة تمت بناء على طلب عراقي.

فيما يتعلّق بالتوقيت الأمريكي، يجب الالتفات إلى أنّه يأتي وسط تأكيدات من قبل حكومة إقليم كردستان بأنها قريبة جدًا من إجراء استفتاء يحدد مصير الانفصال عن العراق، فضلاً عن تزامنه مع ما نشره الكاتب الأمريكي المخضرم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والسفير الأمريكي الأسبق في العراق(2010-2012) وهي المرحلة التي شهدت الانسحاب الأمريكي من البلاد، “جميس جيفري، وهو عبارة عن ملخّص للاستراتيجية الأمريكية التي يجب اتباعها في العراق، وحاليّاً وفي مرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي.

في التوقيت أيضاً، تسعى واشنطن حاليّاً للضغط على بغداد بغية استحصالها على ضمانات ببقاء القوّات الأمريكية في العراق، إضافةً إلى حصولهم على حصانة أمنيّة، وبالتالي تمتلك بغداد اليوم جملة من أوراق الضغط على واشنطن، كما أن الأخيرة تمتلك أوراق مماثلة أبرزها ما يتعلّق بالإبقاء على داعش من ناحية، والورقة الكرديّة التي لعبت فيها اليوم من ناحية أخرى، وبالتالي لا بدّ من كشف العراق عن أوراقه أمام واشنطن في حال عمدت الأخيرة إلى ذلك.

وُيخطئ من يعتقد أنّ واشنطن في حال حصولها على ضمانات بقواعد عسكرية، ستتوقّف عن اللعب في الورقة الكرديّة، ولعل تجربة عقد ونصف مع الأمريكيين خير دليل على ذلك، وهو ما يجب لبغداد الالتفات إليه أكثر من أيّ وقت مضى، فعشرات الآلاف من الشهداء في مواجهة الإرهاب الداعشي لا يجب أن تضيع بشخطة قلم سياسي، غاب عنه تفاصيل المشروع الجديد الذي يستهدف البلاد.

عندما يقول أحد الدبلوماسيين الأمريكيين أن “قرار استقرار المنطقة برمتها يتوقّف على اتخاذ العراق القرار الصائب”، فهو يعي جيّداً ما يقول، وبالتالي فإن استقرار المنطقة بأكملها يرتبط بقرار ساسة العراق، فإما أن يبقى هذا البلد عقد ونصف آخر في آتون الدماء والاحتلال، أو أن يتعافى وتعود بلاد الرافدين إلى دورها العربي والإقليمي الريادي.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق