مساعي أكراد العراق للاستقلال وتداعياتها الإقليمية والدولية
على الرغم من أن رئيس إقليم كردستان العراق المنتهية ولايته “مسعود بارزاني” يسعى لاستغلال أي فرصة ممكنة للإعلان عن استقلال الإقليم إلاّ أن الكثير من المراقبين يعتقدون بأن تحقيق هذا الأمر صعب للغاية بسبب معارضة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة، وتواصل الحرب مع الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش”، والخلافات الداخلية بين القوى الرئيسية والأحزاب السياسية في الإقليم.
وكلما اقترب العراقيون من تحقيق النصر النهائي على “داعش” زادت رغبات قيادة إقليم كردستان في الحصول على الاستقلال والانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد. وقد تجلى هذا الموقف بوضوح خلال الأشهر الأخيرة من خلال رفع علم الإقليم على المؤسسات والمباني الحكومية في محافظة كركوك الغنية بالنفط والتي تقع ضمن ما يسمى المناطق “المتنازع عليها” والتي لم تحسم لحد الآن طبقاً للمادة 140 من الدستور العراقي الذي أقر عام 2005. وكذلك الدعوات المستمرة لإجراء استفتاء داخل الإقليم حول موضوع الاستقلال.
في هذا السياق اعتبر “هوشيار زيباري” القيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده بارزاني بأن الدعوة لإجراء استفتاء حول استقلال الإقليم اكتسبت أهمية مضاعفة، فيما أكد رئيس حكومة الإقليم “نيجرفان بارزاني” أن الإقليم سيجري استفتاءً وصفه بالمصيري بهذا الشأن خلال العام الجاري. وهذه التصريحات جاءت في وقت أجرى فيه الكثير من القيادات الكردية العراقية مشاورات مع عدد من الأطراف المحلية الإقليمية والدولية لهذا الغرض.
التحديات التي تواجه انفصال الإقليم عن العراق
– الرفض الداخلي
بغض النظر عن الرفض الدولي والإقليمي لاستقلال إقليم كردستان العراق يواجه هذا الموضوع رفضاً داخلياً من قبل عدد من القيادات والتيارات الكردية داخل الإقليم، حيث أعلنت حركة التغيير “كوران” إن إجراء الاستفتاء بهذا الشأن لا يمتلك الظروف المناسبة، كما يجب أن يقرر برلمان الإقليم وضع قوانين خاصة لإجراء الاستفتاء، مؤكدة في الوقت ذاته على ضرورة أن لايتحول موضوع الاستقلال إلى وسيلة للهروب من المشاكل الداخلية التي يعاني منها الإقليم.
كما يتبنى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني رؤية “تاريخية” مخالفة لانفصال الإقليم عن الحزب الرئيسي الآخر في الإقليم “الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني” حول هذا الموضوع خصوصاً فيما يتعلق بتوقيت إجراء الاستفتاء.
– التحدي الاقتصادي داخل الإقليم
يعتقد المراقبون بأن إقليم كردستان يواجه تحديات اقتصادية كثيرة من بينها الاختلاف مع الحكومة المركزية في بغداد حول ميزانية الإقليم وحق تصدير نفط الإقليم بشكل مستقل إلى الخارج، بالإضافة إلى أزمة الرواتب التي يعاني منها موظفو الإقليم وقوات البيشمركة التابعة للإقليم.
كل هذه الأمور ترجع بالحقيقة إلى السياسة الاقتصادية التي انتهجها حزب بارزاني خلال السنوات الماضية. ومن خلال العزف على وتر الاستقلال في الوقت الحاضر يسعى بارزاني للتخلص من أعباء هذه السياسة. ويشعر الأكراد بانعدام العدالة في توزيع الثروات داخل الإقليم، ما أدى بالتالي إلى تدهور العلاقات بين الأحزاب السياسية في الإقليم حول هذا الموضوع.
– رفض الحكومة العراقية
تعتقد الحكومة العراقية إن انفصال إقليم كردستان سيؤدي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في عموم العراق. وتعتقد التيارات السياسية خصوصاً الشيعية بأن انفصال الإقليم سيمهد لتقسيم البلد على أساس قومي وعرقي، وهذا لايصب بالتالي في مصلحة العراق والمنطقة برمتها.
– الرفض الإقليمي والدولي
تعتقد الدول المجاورة للعراق خصوصا تركيا وإيران وسوريا بأن انفصال إقليم كردستان سيهدد استقرار المنطقة، كما ترى الدول الأخرى ومن بينها أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي أن الظروف غير مهيأة للتفكير باستقلال الإقليم في ظل الحرب القائمة ضد الإرهاب في عموم المنطقة.
في هذا السياق أكد الخبير في شؤون إقليم كردستان العراق “محمد الكيس” أن الإدارة الأمريكية تطالب قادة إقليم كردستان بالتعايش السلمي مع الحكومة المركزية في بغداد لاعتقادها بأن استقلال الإقليم سيمهد لإيران أن توسع نفوذها في عموم المنطقة، على حد قوله.
تداعيات انفصال إقليم كردستان
يمكن تلخيص التداعيات بما يلي:
– ستضطر الحكومة العراقية إلى إرضاء القوميات والمذاهب الأخرى في البلد خصوصاً السنّة والشيعة ومنحهم استقلالاً مماثلاً لإقليم كردستان في حال انفصاله.
– ترتفع حدة التوتر بين إدارة إقليم كردستان مع الدول المجاورة خصوصاً تركيا وإيران في حال انفصال الإقليم عن العراق، بسبب رفض الأخير لهذا الانفصال.
– سيساهم الانفصال في حال تحققه بتفشي العنصرية القومية في عموم العراق، وهذا سيؤدي بدوره إلى احتمال نشوب نزاعات واضطرابات داخلية، في وقت بات العراق فيه بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار بعد سنين طويلة من محاربة الإرهاب والاختلافات السياسية التي أضرت كثيراً بالبلد.
المصدر / الوقت