الذكرى الـ97 لمؤتمر “وادي الحجير”: التاريخ يعيد نفسه
كثيرة هي التواريخ والأحداث المهمة في حياه اللبنانيين، كبقيّة شعوب العالم. إلا أن ما حصل في 24 حزيران 1920، يبقى حدثاً بارزاً حاول بعض كتّاب التاريخ تغييبه لأسباب تتعلّق بالاستعمار الفرنسي الذي أشرف على كتابة جزء منه. إنّه مؤتمر وادي الحجير الذي نعيش اليوم ذكراه الـ97.
يعد مؤتمر وادي الحجير من أبرز المؤتمرات اللبنانية التي أسّست لمقارعة الاحتلال الفرنسي بإشراف السيد عبد الحسين شرف الدين ووجود الثائرين العامليين أدهم خنجر وصادق حمزة في الوادي نفسه الذي أصبح مقبرة للدبابات الإسرائيلية “وادي الحجير”.
ظروف عقد المؤتمر
انعقد المؤتمر يوم السبت 24 نيسان سنة 1920، بمشاركة علماء من جبل عامل أمثال السيد جواد مرتضى العاملي والزعماء أمثال كامل بك الأسعد والثوّار أمثال أدهم خنجر وصادق حمزة، حيث ألقى العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين خطاب نوعيّاً هدف إلى تثبيت الوحدة الوطنيّة بين اللبنانيين وتعبئة العواطف ضدّ الاحتلال الفرنسي.
أراد البعض من قرية الطيبة، بلدة الزعيم كامل الأسعد، مكاناً للمؤتمر إلا أن تذبذب مواقفه التي وصفها البعض بالخذلان، دفع بالثوّار لتحديد وادي الحجير مكاناً للمؤتمر الذي يسعى لإعطاء نوع من الشرعيّة الجهاديّة في انطلاق المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي. حضر كامل الأسعد إلى المؤتمر في الحجير متذبذباً، وقد حصلت مشادّة بينه وبين الثوّار تحت الخيمة الضخمة التي ضربت للمناسبة، إلا أنّه تمّ تدراك الموقف خدمةً للهدف الأسمى “حماية الوطن”.
البعض أشكل على المؤتمر بسبب غياب شخصيات مسيحية، وهو إشكال في مكانه، إلا أنّ السبب في ذلك يعود إلى زعيم جبل عامل حينها كامل بك الأسعد الذي دعا إلى المؤتمر بعد تخييره من قبل الملك فيصل إما فرنسا أو نحن، ليحاول السياسي المهنك الأسعد التهرّب من الإجابة عبر رمي الكرة في ملعب العامليين. وبالتالي هو من يتحمّل وزر غياب المسيحيين رغم أنّه مقرّب من فرنسا، لكن السيد شرف الدين أثبت بخطبته الشهيرة حضورهم، والتي سنعرض جزء منها في مؤخرة هذا المقال.
التاريح يعيد نفسه
إن التدقيق في تفاصيل مؤتمر وادي الحجير، مقرّ الثوّار والمنطقة البعيدة عن أعين الاحتلال الفرنسي، يفضي إلى نتيجة واضحة “التاريخ يعيد نفسه”. ولعل الخطاب الذي تضمّن لحنا وطنيّاً من قبل السيد شرف الدين (ألا وإن النصارى إخوانكم في الله وفي الوطن وفي المصير، فأحبوا لهم ما تحبون لأنفسكم..)، إضافةً إلى التركيز على مقارعة الاحتلال (الفرنسي حينها) خير دليل على ذلك.
لقد شكّل مؤتمر الحجير الشرارة الأولى لمقارعة الاحتلال الفرنسي عبر المقاومين أدهم خنجر وصادق حمزة، وهو الأمر الذي أفضى بعد حوالي عشرين عاماً ونيف إلى خروج الإحتلال الفرنسي من لبنان، لكن هذا الأمر لم يحصل لولا نقاط ثلاث، قد تتغيّر مع مرور الزمن، في الشكل إلا أنّ مضمونها يبقى واحداً.
النقطة الأولى تتعلّق بالوحدة الوطنيّة لكافّة أطيف الشعب اللبناني والتي تعدّ ركناً من أركان الانتصار في أي مواجهة، إضافةً إلى رفض التقسيم في لبنان والوطن العربي، نظراً لتأثر الجزء من الكل والعكس، وهو المشروع (التقسيم) المتجدّد اليوم إزاء المنطقة. وفي حين تتعلّق النقطة الثانيّة بضرورة الخيار العسكري في مواجهة الاحتلال دون الاكتراث بتجهيزاته العسكرية، وهو ما فعله أمثال أدهم خنجر وصادق حمزة، فإن النقطة الثالثة والتي ظهرات في بيانات السيد عبد الحسين شرف الدين حينها تتعلّق بمجلس الأمن (عصبة الأمم حينها) التي أظهر عدم تعويله عليها أو اكتراثه بها، بل فرضه للمعادلات الداخلية على هذه المؤسسة الدولية التي تراعي مصالح أعضائها، تماماً كما حصل بعد عدوان تمّوز عام 2006.
ما يجب التركيز عليه اليوم أكثر من أيّ وقت مضى في ذكرى مؤتمر الحجير الذي كان شاهداً على هزيمة أعداء لبنان ومحتلّيه بفاصلة زمنية تصل إلى 86 عاماً (من العام 1920 إلى العام 2006) أن الخطوط التي رسمها السيد عبد الحسين شرف الدين في خطابه التاريخي لا تزال سارية المفعول حتّى يومنا هذا، وبالتالي فإن أيّ تذبذب من الزعماء (كما فعل كامل الأسعد حينها) يعني أن التاريخ سيلفظهم ولن ترحمهم أمتهم وشعوبهم.
اللافت أن أصحاب السياسة من أتباع فرنسا وصفوا ثوّرا تلك المرحلة بالعصابات (مليشيا) بدل الثوّار (المقاومين)، وقام الزعماء، وفي مقدّمتهم كامل بك الأسعد، بمحاربتهم سرّاً وعلانيّةً، ليحاول الالتفاف على الثوّار عبر إنشاء الحرس الوطني، بقيادة فرنسية، إلاّ أن هذا الطرح قد فشل بسبب معارضة المرجعيات الدينية لها، وفي مقدّمتهم السيد عبد الحسين شرف الدين.
والأنكى من ذلك كلّه، وكما تفعل بعض الجهات اليوم لتشويه صورة المقاومة عبر اتهامها بالاتجار بالمخدّرات و..، فقد فعلها كامل الأسعد قبلهم، وذلك في معرض ردّه على ثناء المرجع السيّد عبد الحسين شرف الدين على دور المقاومين بشكل عام، وابن بلدة دبعال الجنوبية صادق الحمزة على وجه الخصوص، قائلاً للسيد شرف الدين بصوت منخفض: “لا تبالغ يامولانا.. من سرقة الدحروب (التين المجفف)، لشن الحروب”.
باختصار،التاريخ يعيد نفسه، فهو منشأ لنفسه موصول بالحاضر ومؤسس للمستقبل.. فاقرأوا ماتيسر منه، وانظروا ما أنتم فاعلون.
من خطبة السيّد شرف الدين
يا فتيان الحمية المغاوير، الدين النصيحة، ألا أدلكم على أمر إن فعلتموه انتصرتم ، فوتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته، واخمدوا بالصبر الجميل الفتنة فإنه والله ما استعدى فريق على فريق إلا ليثير الفتنة الطائفية ويشعل الحرب الأهلية حتى إذا صدق زعمه وتحقق حلمه، استقر في البلاد بعلّة حماية الأقليات.. ألا وإن النصارى إخوانكم في الله وفي الوطن وفي المصير. فأحبوا لهم ما تحبون لأنفسكم وحافظوا على أرواحهم وأموالهم كما تحافظون على أرواحكم وأموالكم ، وبذلك تحبطون المؤامرة، وتخمدون الفتنة وتطبقون تعاليم دينكم وسنة نبيكم.
أيها الفرسان المناجيد إن لهذا المؤتمر ما بعده, وسيطبق نبوءة الآفاق السورية ويتجاوب صداه في الأقطار العربية، ويتجاوزها إلى عصبة الأمم، وقد امتدت به إليكم الأعناق، وشخصت الأبصار، فانظروا ما أنتم فاعلون.
المصدر / الوقت