تركيا تستهدف “الكردستاني”: هل يقع الأكراد في الفخّ الأمريكي؟
عاد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان للعب خارج الحدود بعد انتصاره في “معركة” التعديلات الدستوريّة. العودة الجديدة للجيش التركي الذي أعلن وقف علميّة درع الفرات كانت عبر البوابة الكرديّة المتوقّعة حيث أعلن الجيش التركي القضاء على نحو 70 مسلحا في الغارات الجوية التي شنتها المقاتلات التركية، على جبل سنجار شمال العراق وجبل قره تشوك، شمال سوريا.
الضربة التركيّة لاقت إدانة من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، واصفةً الأمر بالعدوان، ومتّهمة أنقرة بأنها تعرقل تقدم عملية تحرير الرقة من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي. وهو الردّ نفسه من واشنطن حيث أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها، مشيرةً إلى أن الضربات التركية في العراق وسورية لم تحصل على موافقة التحالف الدولي لمحاربة داعش.
لكنّ الإدانة الأمريكية لم تلقى آذاناً صاغيّة تركيّة إذ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستواصل عملياتها العسكرية في سنجار بالعراق وفي شمال سوريا لحين القضاء على “آخر إرهابي”. لم يكتفِ الرئيس التركي بذلك، بل أوضح أنّ بلاده أخبرت بذلك أمريكا، روسيا والعراق، وتحديداً رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، إلا أنّه أعرب في الوقت عينه عن أسفه لمقتل عدد من أفراد قوات البيشمركة الكردية العراقية المنتشرة أيضا في سنجار خلال العملية التركية، موضحاً أن التحرك التركي غير موجه إلى “البيشمركة مطلقا”.
واللافت أن الضربة التركيّة الجديدة التي ستعدّ مدخلاً طبيعياً لأي تصعيد مرتقب، تأتي بعد أن أبقى أردوغان الباب مورباً لمرحلة ما بعد الفرات، ملوّحاً بعمليات جديدة مثل درع الفرات.
حلقة ضائعة
البعض تحدّث عن حلقة ضائعة لا تتعلّق بتركيا أو الأكراد، بل بالموقف الأمريكي الذي بدا ملتبساً لدى كثيرين. ففي حين يرى كثيرون أنّ الضربة التركيّة لم تكن لتحصل لولا الرضا الأمريكي، يؤكد آخرون أن أنقرة غير مستعدّة لأي مساومة مع أمريكا أو أي طرف آخر فيما يتعلّق بالأكراد الذين يرى فيهم أردوغان تهديداً استراتيجيّاً على نظامه.
ويستند أصحاب الرأي الأوّل إلى التناغم الذي ظهر في الاتصال الهاتفي الأخيرة بين ترامب وأردوغان والذي هنّأ فيه الأول الأخير بالفوز في الاستفتاء على التعديلات الدستورية حيث تعهّد ترامب بالتعاون الوثيق فيما يتعلق بـ سوريا والعراق، ومحاربة متمردي حزب العمال الكردستاني، وفق الرئاسة التركيّة.
في حين يستند أصحاب الرأي الآخر إلى التجارب التركيّة السابقة مع الأكراد. تحذّرّ مجلة فورين بوليسي في تقرير صحفي أمريكا من الاصطدام مع تركيا الرقة شمالي سوريا، باعتبار أن تركيا قد أوعزت لجماعاتها المسلّحة (فصائل سورية مسلحة) بالاستعداد لمعركة جديدة في سوريا، كما أنّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قد صرّح سابقاً أن “أنقرة تريد العمل مع حلفائها لاستعادة مدينة الرقة معقل تنظيم داعش الإرهابي، لكن دون مشاركة القوات الكردية السورية. وقد أوضحت الصحيفة الأمريكية أن اعتماد واشنطن على القوات الكردية لتحرير الرقّة من شأنه الإضرار بعلاقتها مع أنقرة.
التجارب الأمريكية السابقة تؤكد أن لا أمآن للحلفاء، فالمصالح الأمريكية العليا فوق كلّ اعتبار وكل صديق، وبالتالي إن تقاطع المصالح التركية الأمريكية في سوريا، يعني أنّ الأكراد سيكونون ضحايا هذا الاتفاق، ولكن يبقى دور الأكراد في المرحلة الحاليّة رئيسياً في الحسابات الأمريكية وتحديداً في الرقّة، وبالتالي قد تمنع واشنطن من استهدافهم مجدّداً، وهذا ما دفع بصحيفة وول ستريت جورنال للتصريح بأن تركيا كانت تتوقع شهر عسل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ولكن يبدو أن أنقرة وواشنطن تتجهان نحو شجار، إن لم يكن طلاقا.
إلا أنّ واشنطن في الوقت عينه تخشى من خسارة تركيا في حال وقفت إلى جانب الأكراد ضدّ حليف معقّد في منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والعكس صحيح، وبالتالي ستسعى واشنطن لإدارة هذا الصراع بين حليفين يتّهم أحدهم الآخر بأنّه اسم آخر لحزب العمال الكردستاني المصنّف إرهابيّاً في قبل أمريكا وتركيا على حدّ سواء.
ربّما تلجأ واشنطن إلى البوابة الدولية كما طالب الأكراد، لأن خسارتهم يعني خسارة اللاعب الأمريكي الأبرز في سوريا والعراق، في حين أنّ أردوغان قادر على استهدافهم عبر الجماعات المسلّحة السورية التي تدين بالولاء لتركيا وتمتلك من الذرائع ما يكفي لتبرير أي هجمات ضدّ هؤلاء. لا نستبعد أن تقدّم أمريكا ضمانات سريّة ملموسة لتركيا، إضافةً إلى فتح الباب لها على الرقّة للمشاركة في القضاء على التنظيم الإرهابي، باعتبار أن الأخيرة استبعدت أي حل وسط مع الولايات المتحدة بشأن اشتراك مسلحين أكراد في هجوم في سوريا.
باختصار ترامب بحاجة إلى انتصارات ميدانية بالوكالة تؤمنها القوات الكرديّة، ولا يمكن له الاستغناء عن الدور التركي، فهل سينجح في إدارة هذا الصراع، أم أنّنا سنكون أمام مواجهة كرديّة تركيّة واسعة قد تدفع بأنقرة إلى مربّعات جديدة؟ البعض يرون أنّ هذه المعركة مسألة وقت لا أكثر ولا أقلّ.
المصدر / الوقت