التحديث الاخير بتاريخ|السبت, ديسمبر 28, 2024

“وثيقة حوران”؛ قراءة في المضمون والدوافع 

أثارت وثيقة “عهد حوران”، ضجة كبيرة في سوريا وتحديداً في جنوبها كونه المعني الأول بها، وعلى الرغم من تخفي هذه الوثيقة وكاتبيها وراء عبارات من قبيل “الجمهورية العربية السورية” الا ان ذلك لم يكن كافيا لطمأنة السوريين على اختلاف مشاربهم، من أهدافها الحقيقة على المدى البعيد، ولم تفلح هذه الوثيقة في اخفاء سعيها لبث النزعة الانفصالية واستغلال الأزمة السورية والحرب الطاحنة في البلاد لتكريس الانفصال كسياسة أمر واقع.

قراءة في وثيقة حوران؟

أولاً: تتكلم الوثيقة وبشكل مشبوه عن ما تسميهم “أهالي حوران” و”منطقة حوران” بدلاً من اسم “درعا والسويداء”، وتقول أن حوران هي إحدى محافظات الجمهورية العربية السورية التي ستقوم على “اللامركزية “من الناحية الإدارية وأن العمل بها مؤقت يتناسب مع الوضع الراهن.

ثانياً: تدعو الوثيقة للإعلان عن جنوب سوريا كإقليم مستقل ضمن الاتحاد “الفيدرالي السوري المستقبلي”، ويدّعي مروجوها أن التوقيع عليها تم من قبل شخصيات من جنوب سوريا تقيم حاليا في إسطنبول، وهذه الشخصيات غير معروفة لأغلب أهالي المنطقة التي يتم التحدث باسمها، وبطبيعة الحال غير معروفين من قبل أغلب السوريين.

ثالثاً: تتحدث الوثيقة عن مبادئ دستورية وتفصيلاتها القانونية تتعلق بالملكية والقضاء والأحوال الشخصية والحريات العامة والسجون والتربية والتعليم وتظهر كأنها تنظم أمور دولة أو إقليم مستقل، وهو ما يعتبر أيضاً كدستور رديف للدستور السوري، أي أن القصة ليست لمرحلة مؤقتة وحسب، كما تدعي، بل تهدف تأسيس لما هو أبعد وهو ما بعد نهاية الأزمة السورية وتكريس الانفصال.

رابعاً: تشير الوثيقة الى ما تسميه “مجلس الممثلين” المؤلف من خمسين عضواً الذي سيتولى صلاحيات تشبه صلاحيات مجلس النواب في الدول المستقلة، حيث يمتلك هذا المجلس “الحق الحصري والوحيد” في سن الأنظمة الجديدة وتعديلاتها بما يتناسب والواقع الحالي، أي أن الأمر يتعدى الحماية الذاتية والفدرالية، باعتبار أنه حتى في حالة الانظمة الفدرالية يكون لمجلس الشيوخ أو النواب سلطة على مجلس المقاطعات وهو من يسن ويشرعع القوانين باطارها العام.

خامساً: تتحدث الوثيقة أيضاً عن “الهيئة التنفيذية في حوران” وهيكليتها الإدارية والهيئة القضائية وتنظيم المحاكم وعملها، أي الحديث هنا يدور عن سلطة تنفيذية وسلطة قضائية، بحيث يتم التأسيس لقطع ارتباط نهائي مع دمشق وبقية المناطق السورية، اذ لم يبقى لهذه الوثيقة الى أن تطالب برسم الحدود.

دلالات هذه الوثيقة ودوافعها في ظل التطورات الميدانية الراهنة:

على الرغم من تبرؤ عدد كبير من أهالي حوران من هذه الوثيقة التي تعد مقدمة لتقسيم سوريا وفصل حوران عن الوطن الأمم، ومنهم المعارض السوري المعروف هيثم مناع رئيس تيار “قمح” ورجل الاعمال السوري خالد المحاميد لهذه الوثيقة، تصر بعض الجهات ومنها اسرائيل والاردن وأمريكا على الترويج لها اعلامياً تحت ذريعة حماية ذاتية لأهالي المنطقة، كمقدمة لخلق “جيش لحد سوري” في الجنوب تسعى اسرائيل لإنشائه منذ بداية الاحداث السورية.

ولطالما سببت جبهة الشمال (شمال فلسطين المحتلة) أرق وصداع دائم للقيادة الاسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، سواء تلك الجبهة على الحدود مع لبنان ومايجري الحديث عنه حول حتمية دخول حزب الله الى الجليل، أو مع سوريا في ظل الحديث عن تشكيل نواة مقاومة في القنيطرة والجولان المحتل باشراف مباشر من حزب الله وهو المشروع الذي استشهد لأجله سمير قنطار ورفاقه، ومع ذلك بقي المشروع موجود ولم يتم تناسيه.

النوايا الاسرائيلية الخفية من طرح هذه الوثيقة، كشفها مركز أبحاث ” يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” الإسرائيلي والمقرب من دوائر صنع القرار في تل أبيب، الذي اعبتر أن إقامة إقليم يضم درعا وجبل الدروز والقنيطرة يعد من أفضل الخيارات التي تصب بمصلحة إسرائيل والتي يمكن أن تسفر عنها التسوية الشاملة للصراع في سوريا, حيث رأى المركز أن “المركبات الديموغرافية”، في المناطق المشار إليها تُعد ذات “توجهات إيجابية” إزاء إسرائيل، وخاصة الدروز، ولذلك فإن فرص تحوّل منطقة جنوب سوريا إلى مناطق تهديد لإسرائيل سواء من خلال تواجد إيران وحزب الله، أم من خلال تمركز “الجهاديين” تتقلص إلى حد كبير، معتبراً أن تطبيق “ميثاق حوران” يعد من المصالح المشتركة لكل من إسرائيل وروسيا، حسب زعمه، على اعتبار أن التوافق على تدشين أقاليم ضمن الفيدرالية يعني تقسيما عمليا لسوريا.

كذلك لا يخفي على أحد الدور الأردني في تأجيج الأزمة السورية سواء من خلال دعم المسلحين في جنوب سوريا سياسياً وعسكريا وصولا الى اقامة غرفة عمليات “موك” (MOC:Military Operation Centerr)، باشراف امريكي مباشر، في ظل الحديث عن قيام ضباط المارينز بتدريب مقاتلي القبائل والعشائر في الجنوب السوري لتشكيل نواة قوة مسلحة للدويلة التي يراد احداثها في درعا والسويداء، أي أن مشروع التقسيم مشروع متكامل، فبعد حديث الوثيقة بالتفصيل عن سلطة تنفيذية وقضائية وتشريعية فان اخر ما يحتاجه مشروع الانفصال هذا “جيش” مدرب مسلح يحمي الحدود المستحدثة.

ادارة محلية أم تقسيم علني؟

أيضا الوثيقة ليست الأولى من نوعها في سوريا وان كانت الأولى في جنوب البلاد، اذ سبق للأكراد في شمال البلاد أن اعلنوا عن وثيقة مشابهة من أجل تمرير مشروع اللامركزية في سوريا، من خلال استخدام التلاعب بالألفاظ والكلمات تارة، والمناورات السياسية تارة أخرى، واستخدام مصطلحات رنانة كالادراة الذاتية والحماية المدنية وجمعيها تهدف بنهاية المطاف الى تقسيم سوريا وتفتيها الى دويلات صغيرة.

كذلك فان هذه الوثيقة وتوقيت طرحها تثير علامة استفهام كبيرة، عن أسباب ودوافع إطلاق مثل هذه الوثيقة المناطقية، باعتبارها تبرير للأسلوب الذي تتبعه بعد الفصائل ومنها وحدات حماية الشعب الكردية في مناطقها من خلال الإدارة الذاتية التي باتت تتكرس واقعاً ملموساً مع مرور الزمن.

ولكن وعلى الرغم من الحرب السورية دخلت عامها السابع، لكن ذلك لا يعني مطلقاً أن السوريون وأهالي السويداء ودرعا على وجه التحديد، يمكن أن يرضوا ويقبلوا بغير وحدة سوريا، بغض النظر عن الخلافات السياسية الموجودة، اذ يعتبر الطابع السيادي للدولة أمر غير قابل للنقاش ويعلو عن اي خلاف سياسي لأي سوري سواء كان مع أو ضد الحكومة وسياساتها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق