هنيّة على رأس المكتب السياسي: تحدّيات الداخل والخارج؟
بعد أيّام قليلة على صدور الوثيقة السياسية لحركة حماس (يوم الإثنين 1 مايو 2017 )، أعلن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة حماس، فوز القيادي في الحركة إسماعيل هنية برئاستها، في الانتخابات التي جرت السبت على رئاسة المكتب السياسي.
“النفضة السياسيّة” للحركة والتي بدأ قبل أشهر بانتخاب الأسير السابق يحيى السنوار قائداً للحركة في قطاع غزّة، تأتي بعد سنوات من الجمود السياسي لحماس على الصعيد الإقليمي والدولي لأسباب تتعلّق بجملة من الملفات الإقليمية التي أخذت هامشاً أساسياً من كيان حماس السياسي الذي اصطف إلى جانب أطراف على حساب أُخرى، ما انعكس سلباً على علاقاتها الخارجيّة من ناحية، والقضيّة الفلسطينية من ناحية أخرى.
مهمّة هنيّة لن تكون بالسهلة أبداً، باعتبار أنه وريث “أبو الوليد” الذي أبى أن ينأى بنفسه في جملة من الملفات الإقليمية الأمر الذي انعكس سلباً على حضور حماس ودورها، لاسيّما أن تقارب المكتب السياسي مع قطر وتركيا، لم ينجح في إسقاط الحركة من قائمة الإرهاب الأمريكية بل زادت من طينة حماس “الإخوانيّة” بلّةً، فما هي الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد لحركة حماس؟
مهمة هنيّة
يعي الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنيّة صعوبة المرحلة التي تمرّ بها الحركة، والدور الأساسي للمكتب السياسي في إعادة ترتيب أوراق الحركة الإقليمية، دون إهمال الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها القطاع، سواءً بسبب الحصار الإسرائيلي، أو بسبب مواقف رئيس السلطة محمود عباس الذي يريد الانتقام من حماس ومعاقبتها.
ولعل التعيين الجديد لإسماعيل هنيّة في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الحركة من أطراف مختلفة، وتحديداً بعد أيّام من الوثيقة الجديدة التي أظهرت فيها الحركة نوعاً من المرونة السياسية دون أن تتخلّى عن نهجها المقاوم، يهدف لإيجاد حملة من الخطوات التصحيحية التي تتخذها حماس من أجل الدخول مجدّداً إلى الحلبة الدولية، وكسر العزلة القائمة عبر الدخول في لعبة المفاوضات الدولية المتعلقة بتسوية القضية الفلسطينية، والتي ظهرت معالمها في الوثيقة الجديدة التي تضمّنت قبولها (حماس) قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة في عام 1967 في سياق توافق وطني.
كثيرة هي المهمّات الملقاة على عاتق هنيّة الذي يمثّل انتخابه مرحلة جديدة في حياة الحركة، إلا أن جميعها لن تخرج عن مضامين الوثيقة السياسيّة الجديدة حيث يعدّ التسويق لهذه الوثيقة بمختلف نواحيها، إضافةً إلى إبعاد صفة “الإرهاب” عنها، من أبرز تحدّيات رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة. ولعل بيان حماس إثر انتخاب هنیة يرسم صورة عامة للمرحلة القادمة حيث أكّد بيان الحركة أن “حماس بعد انتخاب هنية ستضع على سلم أولوياتها مواصلة وتكثيف الجهود الرامية إلى تمتين وتقوية العلاقات الفلسطينية الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني”، إضافةً إلى ” تعزيز صمود شعبنا وحشد كل الطاقات العربية والإسلامية والدولية للوقوف إلى جانب شعبنا الفلسطيني وتعزيز صموده ودعم عدالة قضيته”.
ورغم اختلاف الآراء السياسيّة حول مهمّة هنيّة الذي يتصف بالاعتدال السياسي، وقدرته على معاجلة التحديّات القائمة سواء في موضوع المصالحة وإنهاء الانقسام أو التهديدات الحكومية القائمة ضد قطاع غزة أو العلاقات الخارجية و تهمة الإرهاب التي تعدّ أكبر التحديات لدى الحركة، إلا أنّ ما هو مؤكد وجود مرحلة جديد تُعطي أولوية للأبعاد السياسيّة للحركة على صعيدها السياسي، في حين أن الأولويّة الأمنية والعسكرية لا زالت راسخة في القطاع، وتحديداً بعد اعتلاء السنوار لقيادة حماس في غزّة. أي أن حماس في الداخل قد تُعطي الأولويّة للبعد الأمني والعسكري على حساب البعد السياسي، في حين أنّها خارجيّاً ستولي البعد السياسي خارجيّاً الأمر الذي قد يضعنا في المستقبل أمام معادلة دولية جديدة ترفع المكتب السياسي للحركة من قائمة الإرهاب، في حين أنّها تُبقي كتائب “القسام” فيها.
عوداً على بدء، كثيرة هي الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد لحماس الذي يعدّ الأقوى في الحركة بعد خالد مشعل الذي لا يسمح له القانون الداخلي للحركة بالترشّح مرّة أخرى لرئاسة المجلس السياسي الذي يتزعّمه منذ العام 1996، نذكر منها:
المصالحة الداخليّة: تعدّ المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام من أهمّ الملفات الداخلية لهنيّة. ورغم القصف الإعلامي القائم ومواقف الرئيس عبّاس الأخيرة، ضدّ غزّة عموماً وحماس على وجه الخصوص، هناك مؤشرات حمساوية على التقارب مع فتح. ومن جملة هذه الشواهد وأهمها مشاركة حركة حماس في المؤتمر العام السابع لحركة فتح وإضفاء الشرعية عليه. هنيّة صاحب الحضور الشعبي القوي تربطه علاقات جيّدة، أو ليست بالسيئة بشكل أدقّ مع عباس وفتح التي سارعت إلى المباركة لحماس بفوز إسماعيل هنية بموقع رئاسة مكتبها السياسي، حيث أبدى عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد تفاؤله بانتخاب إسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، قائلاً: إنني متفائل بتولي هنية قيادة الحركة، لقد عملت نائبًا له في حكومة الوحدة الوطنية، والتي استمرت لـ100 يوم، دون أن تحدث أي مشكلة خلال تلك المدة. ولكن هذا لا يُلغي التحدّيات الكبيرة التي تعترض طريق المصالحة.
الملفات الخارجيّة: كثيرة هي الملفات الخارجيّة التي تنتظر اسماعيل هنيّة الذي انتهز فرصة رئاسته لحكومة غزة في تقديم نفسه للمسؤولين الدوليين الذين زاروا القطاع، وفي مقدّمتها تعزيز علاقته مع المحيط العربي، وإعادة دفء العلاقة مع طهران، إضافةً لتحسين صورة الحركة أمام المجتمع الدولي وفق صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” العبرية.
على هنيّة إيجاد توزان في العلاقات مع الإقليم وذلك عبر التقارب وتعزيز العلاقة مع مصر الرئة الاقتصاديّة للقطاع دون الابتعاد عن تركيا، تعزيز العلاقات مع ايران والسعودية دون الابتعاد عن طرف نحو الآخر، حيث لم يمكن لحماس المقاومة التخلّي عن ايران الداعم الرئيس لها منذ التاسيسي، في حين أنّ السعودية تعّد أحد الأبواب الرئيسية لحماس في العمق العربي. ولكنّ الفخّ المُعدّ لهنية إقليمياً ودولياً يتمثّل في مؤامرات التصفية القائمة التي ترعاها الإدارة الأمريكية الجديدة، وبالتالي فإن تركيز هنيّة على الرضا الأمريكي بغية الخروج من قائمة الإرهاب، قد يُوقع به في فخّ تصفية القضيّة، الأمر الذي سيعكس انقساماً كبيراً داخل الحركة.
باختصار، إن الملفات الرئيسية التي تنتظر اسماعيل هنيّة هي التغييرات الواضحة التي حصلت في الوثيقة السياسيّة الجديدة، والتي تختلف قليلا عن الوثيقة التأسيسية للحركة التي ظهرت للعلن في العام 1988.
المصدر / الوقت