التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

أردوغان يهاجم الكيان الإسرائيلي: دعم “للقضيّة” أم مناورة كرديّة؟ 

رغم أن الكثير من مواقف أردوغان صبّت، بشكل أو بآخر، في صالح الكيان الإسرائيلي، إلا أنّه بالتأكيد ليس خيارها الأنسب. أردوغان صاحب النزعة الإسلامية بنكهتها العثمانيّة، تُشكّل العديد من مواقفه هاجساً، لو بشيئ من التسامح في التعبير، للكيان الإسرائيلي.

قد يفهم البعض من كلامي هذا أن أردوغان عدوّاً للكيان الإسرائيلي. لا ليس كذلك، كما أنّه ليس بالصديق، بل الرئيس الذي يدير علاقات بلاده وفق رؤيته المتذبذبة في كثير من الملفات، عدا الملف الكردي الذي لم يكن بعيداً عن مواقفه تجاه “اسرائيل”!

ولعل المواقف الأخيرة لأردوغان فيما يتعلّق بالملف الفلسطيني، الذي شهد فتوراً تركيّاً غير مسبوق بعد تطبيع العلاقات بين البلدين تحت شعار “غاز المتوسّط” في الوقت الذي كانت العلاقات التركيّة الروسيّة منقطعة، وكذلك الغاز لتركيا، لعلّها أعادت شيئاً من الحماسة لأردوغان المدعوم اليوم بنظام رئاسي وتمثّلت في شنّ الأخير هجوماً لاذعا ضد سياسات “إسرائيل” في المسجد الأقصى والقدس، وهاجمها لقرارها منع الآذان، قائلاً “لن نسمح لكم بمنع رفع الآذان في سماء القدس”، إضافةً إلى دعوته للمسلمين بزيارة الأقصى بشكل أكبر.

الموقف التركي لاقى استياءً إسرائيلياً واضحاً تمثّل في استدعاء وزارة الخارجية سفير تركيا لديها لتوبيخه بسبب تصريحات رئيس بلاده، كما أصدرت الوزارة في وقت لاحق بيان جاء فيه أن “من ينتهك حقوق الإنسان في بلاده بشكل منهجي، عليه ألا يعظ الديمقراطية الوحيدة في المنطقة بالأخلاق، “إسرائيل” تحافظ بشدة على حرية كاملة لعبادة اليهود، المسلمين والنصارى وستواصل القيام بذلك برغم تشويهات لا أساس لها”.

ما يعزّز موقفنا أعلاه حول الموقف الإسرائيلي من أردوغان الذي انقلب على علمانيّة أتاتورك، هو ما قاله رئيس الكنيست يولي أدلشتاين في معرض تعليقه على كلام أردوغان عبر تغريدة في حسابه على تويتر “طالما بقي أردوغان زعيم لتركيا، فلن تعود العلاقات كما كانت عليه في السابق”.

إلا أن حقيقّة المواقف التركيّة لأردوغان، تنطلق من المتغيّرات السياسيّة للمشهد الإقليمي في الشرق الأوسط، وحتى لا يذهب البعض بعيداً في تصريحات أردوغان حول القدس، لا بدّ من التأكيد مجدّداً على جملة من النقاط قد أشرنا إليها في أوقات سابقة على هذه الصفحة، نذكر منها:

أوّلاً: يلعب الطموح التركي السياسي، الأردوغاني بعبارة أدقّ، والذي ارتفع منسوبه بعد الاستفتاء العام الشهر الفائت، دوراً أساسياً في التصعيد التركي في خصوص الملف الفلسطيني. أردوغان رفع السقف عالياً مستبقاً أي خطوة مصالحة إقليمية برعاية أمريكية قد تكون تركيا خارجها. أي أن تركيا ترفض أن تكون خارج أيّ تسوية إقليمية تجاه القضيّة الفلسطينية.

ثانياً: لا يمكن فصل الانتقادات التركيّة للكيان الإسرائيلي عن الدعم الأمريكي الأخير لوحدات حماية الشعب الكرديّة التي يصنّفها أردوغان إرهابيّة. قد يتساءل البعض ما علاقة هذا بذاك، وهو محقّ في تساؤله. إلا أن أردوغان الغير قادر على الضغط على أمريكا بشكل مباشر في سوريا خشية الصدام العسكري، ينتهز أوراق ضغط أخرى على أمريكا عبر الكيان الإسرائيلي، مستبقاً بذلك زيارة ترامب إلى المنطقة الشهر الجاري. ويدرك أردوغان جيّداً أن المشروع الكردي لاقى ترحيباً إسرائيلياً، ولعل الكيان الإسرائيلي سيردّ على أي دعم تركي لحماس، بدعم مماثل للأكراد.

ثالثاً: ما يعزّز هذه الرؤية هو كلام أردوغان في “مؤتمر القدس” في اسطنبول حيث وصف سياسة إسرائيل في الضفة الغربية بالعنصرية القريبة من الفصل العنصري، وتساءل “ما الفارق بين الممارسات إسرائيل الحالية وسياسات التمييز التي كانت تطبق ضد السود في الولايات المتحدة في السابق وفي جنوب أفريقيا؟”.

رابعاً: وبالتالي، لا تدخل هذه التهديدات في السياق الاستراتيجي وإن أدّت إلى قطيعة مجدّدة بين البلدين، ولعل تجربة سفينة مرمرة خير دليل على ذلك. أثبتت المواقف التركية السابقة من التطبيع قبل أقل من عام، ومحاولات تجريد حماس من السلاح، وكذلك إدانة عمليات المقاومة في القدس أن المواقف التركيّة إزاء القضيّة الفلسطينية هي مواقف تكتيكية وليست استراتيجية. قد تكون استراتيجية للأتراك أنفسهم، إلاّ أنها ليست كذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني.

خامساً: لا يمكن التغافل عن امتلاك التركي مصالح اقتصادية مشتركة قد يتنازل عنها مرحلياً لمصلحة سياسيّة واقتصاديّة أكبر. أرودغان يمتلك مصالح اقتصادية كبرى مع الشارع العربي الذي يرفض تطبيع الأنظمة مع الاحتلال الإسرائيلي. وقوف أردوغان إلى جانب الكيان الإسرائيلي في قضايا مثل الأذان وتهويد القدس ونقل السفارة تعني خسارته لجزء واسع من الشارع العربي الذي كسبه في مواقفه السابقة تجاه الكيان الإسرائيلي فيما يخص سفينة مرمرة وما تلاها، رغم أنّه أثبت لاحقاً أن “بالون فارغ”.

نأمل أن تتكرّر مواقف أردوغان الداعمة للقضيّة الفلسطينية، حتّى لو كانت نيّته غير ذلك، فنحن لسنا معنيين بالنوايا بل نحاكم على الأفعال. ولكن، لانعوّل عليها لأسباب تتعلّق بالتجارب السابقة، وارتباطها بالمصالح السياسية التركيّة الإقليمية والدوليّة، والتي تتغيّر مع متغيّرات المرحلة. الثابت الوحيد في استراتيجية تركيا اليوم هو العداء للأكراد ولا شيئ آخر!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق