ماذا تسعى إيران لزيادة قدراتها الصاروخية؟
في إطار جهودها لزيادة قدراتها الدفاعية ورفع مستوى جهوزيتها لصد أي عدوان محتمل نجحت الجمهورية الإسلامية في إيران بتصميم وإنتاج الكثير من الصواريخ البعيدة والمتوسطة المدى طيلة السنوات الماضية، وقامت يوم الأربعاء 10أيار/مايو وبحضور قائد الثورة الإسلامية والقائد العام للقوات المسلحة الإيرانية آية الله الخامنئي بعرض نموذج لإطلاق صاروخين باتجاه هدف بحري يعتقد أنه كان يمثل بارجة أمريكية افتراضية في مياه بحر عمان، وذلك خلال حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط في جامعة الإمام الحسين عليه السلام.
فما هي الأسباب التي تدعو إيران إلى مواصلة تجاربها الصاروخية؟ وهل تتنافى هذه التجارب مع المقررات الدولية ومن بينها القرار 2231 الذي أيد الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع مجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015 والذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2016؟
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات لابدّ من الإشارة إلى أن العديد من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا والإقليمية وفي مقدمتها السعودية ووسائل الإعلام المرتبطة بها سعت وتسعى إلى إثارة الشكوك بشأن هذه التجارب وتطالب بتشديد الحظر المفروض على إيران بدعوى أنها تتناقض مع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تسمح في الحقيقة بإجراء مثل هذه التجارب شريطة أن لا تكون الصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وهو ما تؤكد طهران الالتزام به.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن أمريكا وحلفاءها الغربيين لازالوا يعزفون على نفس الأسطوانة المشروخة القديمة التي تروج لما يعرف باسم “إيران فوبيا” من أجل إقناع الدول الإقليمية الموالية للغرب وفي مقدمتها دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية بشراء المزيد من الأسلحة المتطورة والحديثة والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
ويعتقد المراقبون بأن التجارب الصاروخية التي تجريها إيران بين الحين والآخر ترمي إلى تحقيق عدّة أهداف يمكن إجمالها بما يلي:
– رفع مستوى الردع لدى القوات المسلحة الإيرانية سواء التابعة للجيش أو لقوات حرس الثورة الإسلامية وفي كافة الصنوف البرية والبحرية والجوية، خصوصاً في ظل التهديدات التي تواجهها إيران بين الحين والآخر لاسيّما من جانب أمريكا والكيان الإسرائيلي والدول الغربية والإقليمية الحليفة لهما في عموم المنطقة.
– مواجهة خطر الجماعات الإرهابية المدعومة من قبل دول إقليمية وغربية والتي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وتعلن بين الحين والآخر نيتها مهاجمة أهداف في داخل الجمهورية الإسلامية أو التعرض إلى مناطق حدودية كما حصل في الآونة الأخيرة عندما هاجمت جماعة إرهابية دورية لقوات حرس الحدود الإيرانية قرب الحدود المحاذية لباكستان والتي أودت بحياة عدد من الجنود وإصابة آخرين.
– تعتقد إيران بأن الأطراف المعادية لها لاسيّما الكيان الإسرائيلي لن تتوانى عن شن هجوم على أراضيها ما لم تكن قادرة على الردّ بقوة على هذه الهجمات، وهذا ما يدعوها إلى إنتاج وتجربة صواريخ باليستية بعيدة المدى تتمكن من دكّ الأهداف المهمة والحيوية في العمق الإسرائيلي وبوقت قياسي وقدرة تدميرية كبيرة وعالية الدقة.
– تتعرض منطقة الشرق الأوسط ومنذ عقود إلى هزّات سياسية وأمنية وعسكرية متواصلة والتي تجلت في السنوات الأخيرة بشكل واضح في الأزمة السورية واجتياح الكثير من الأراضي العراقية من قبل الجماعات الإرهابية، ما يجعل افتراض انتقال تداعيات هذه الأزمات إلى إيران أمراً وارداً، وهذا الأمر يتطلب بدوره من الجمهورية الإسلامية الوقوف على أهبة الاستعداد للحيلولة دون انتقال الآثار السلبية لهذه التهديدات إلى أراضيها والمحافظة على المكتسبات التي حققتها طيلة العقود الثلاثة الماضية في مختلف المجالات.
– تشير الكثير من التقارير ومن بينها تقرير “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” إلى أن بعض دول المنطقة ومن بينها السعودية تسعى إلى حيازة صواريخ بعيدة المدى لاستخدامها ضد إيران في حال طلب منها ذلك من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي. ويعتقد المحللون بأن الأسلحة الغربية التي اشترتها السعودية في عام 2014 والتي قدرت قيمتها بـ 6.4 مليار دولار تأتي في هذا السياق، ومن هنا يجزم المراقبون بأن إيران لها كامل الحق في تطوير قدراتها الصاروخية لمواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها في المستقبل.
وتزعم السعودية بأن إيران هي العدو الأول للدول العربية وليس الكيان الإسرائيلي، ولهذا تبدي استعداداً للتعاون مع هذا الكيان لضرب المنشآت النووية الإيرانية رغم الاتفاق النووي الذي وقعته طهران مع المجموعة السداسية الدولية والذي أقر بحق إيران في الاستفادة السلمية من التقنية النووية بالإضافة إلى تقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد بأن النشاطات النووية الإيرانية مخصصة للأغراض السلمية فقط، إلى جانب تأييدها التزام طهران بتعهداتها الواردة في الاتفاق النووي ومن بينها خفض مستوى تخصيب اليورانيوم وتقليص أعداد أجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية وتجميد العمل بمفاعل “أراك” لإنتاج الماء الثقيل.
والاتفاق غير المعلن بين السعودية والكيان الإسرائيلي ضد إيران لايحتاج إلى توضيح لأن سلطات الرياض تعتقد بأن بقاءها في سدة الحكم منوط بمدى قدرتها على مواجهة نفوذ إيران باعتبارها الداعم القوي لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة والذي تعد السعودية أحد حلقاته، كما يرتبط وجودها بمدى نجاحها بالدور الذي تضطلع به في خدمة هذا المشروع.
– يعتبر تواجد البوارج الأمريكية البحرية بالقرب من بحر عمان أحد الأسباب الرئيسية التي تدعو إيران لتطوير قدراتها الصاروخية لمواجهة تهديد هذه البوارج التي تقترب بين الحين والآخر من المياه الإقليمية الإيرانية وتواجه بردّ قوي يرغمها على التراجع من قبل القوات البحرية التابعة لحرس الثورة الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب أن تكون القوة الصاروخية الإيرانية في أعلى مستوياتها وجهوزيتها لردع التهديد الأمريكي الذي يستهدف أمن واستقرار إيران وعموم المنطقة.
– يعتقد المتابعون لشؤون الشرق الأوسط وغرب آسيا بأن أعداء إيران ما كانوا ليتأخروا عن توجيه ضربات عسكرية لإيران لولا القدرة الصاروخية الهائلة التي تمتلكها الجمهورية الإسلامية والتي أثبتت فاعليتها في ردع أي عدوان محتمل يستهدف أمنها واستقرارها على المديين القريب أو البعيد.
– تعتقد إيران بأن القوانين الدولية غير قادرة على وقف الاعتداءات التي تقوم بها أمريكا والأطراف الحليفة لها ضد الدول الأخرى، ولهذا قررت أن تقوم بالدفاع عن نفسها من خلال تطوير بنيتها الدفاعية خصوصاً في مجال الصواريخ الباليستية باعتباره السبيل الأفضل لضمان أمنها واستقرارها ومنع أي طرف خارجي من التعرض لحدودها في مختلف الظروف ومهما كانت التحديات.
– تعتقد إيران بأن القوة الصاروخية التي تمتلكها تلعب دوراً كبيراً في ثني أي طرف معادي من فرض شروطه عليها خلال أي مفاوضات سياسية أو أمنية أو تقنية كما حصل في المفاوضات الماراثونية التي سبقت إبرام الاتفاق النووي والتي سعت أمريكا وحلفاؤها من خلالها إلى التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران، إلاّ أن هذه المحاولات باءت بالفشل وذهبت أدراج الرياح بفضل قوة الردع العسكرية الإيرانية والصاروخية منها بالدرجة الأولى.
المصدر / الوقت