الثقب الأسود الأمريكي في الشرق الأوسط.. تحليل وإضاءة
يبدو أن القيادة الأمريكية باتت متأثرة بشكل ملفت بأفكار العالم الفلكي الفيزيائي البارز “ستيف هوكينغ”، وفرضيته عن الثقب الأسود الذي يبتلع علاوة على الضوء الزمن حتى، ولو حللنا مايحصل في سوريا والعراق لتبين لنا مدى تأثر واشنطن بهذه النظرية.
مايحصل من فوضى في منطقة الشرق الأوسط ليس وليد اللحظة ولم يأت جرّاء صدفة عجيبة، وإنما تحصيل حاصل لما تدبره رؤوس واشنطن وأوروبا لدول تلك المنطقة، و”مجريات الواقع تشير الى مالا تحمد عقباه” في حال استمر هذا العبث الأعمى في تركيبتها.
وفي حال سلطنا الأضواء على المقارنة التي افتتحت بها هذا التحليل بين نظرية هوكينغ عن الثقوب السوداء واحتمالية أن تكون معابر لعوالم أخرى مع الفوضى التي تشهدها المنطقة، لاتضح لنا أن مايحصل في دول الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق بات أشبه بعمل الثقب الأسود الذي سبر أعماقه هوكينع ومادته المظلمة التي تبتلع حتى الضياء.
والمغذّي الرئيسي لتلك المادة المظلمة التي تحدّث عنها الكسيح هوكينغ هو أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون والمنفّذ الکيان الاسرائيلي، والذرائع التي تسوّقها واشنطن لحملاتها العسكرية على الدول الأوسطية تحت طائلة مكافحة الإرهاب أو مواجهة أنظمة دكتاتورية على غرار حملة تصفية الزعيم الليبي معمر القذافي ماهي إلا مسوغات لتحقيق نبوءة المادة المظلمة في الشرق الأوسط الجديد، وعن طريق ظلام التنظيمات الإرهابية التي اكتظت بها المنطقة كما شهدناه في الأعوام الأخيرة ستتشكل المادة التي ستبتلع كل ماهب ودب.
فتنظيم داعش الإرهابي استمد قوته من عزم أنصاره ومؤيديه عبر ماكينته الإعلامية المتطورة بمؤثرات صورية ومعزوفات موسيقية تغازل المشاعر لصور مجازر المدنيين الذين يقتلون في غارات يشنها الطيران الأمريكي أو دول حليفة لواشنطن كما أكدته ذلك منظمة “إيروورز” المعنية برصد آثار الضربات الجوية للتحالف الدولي على المدنيين والتي مقرها لندن.
والسؤال الذي طرحه العديدون “هل قامت أمريكا حقا بخلق تنظيم داعش في سوريا والعراق”؟ وفي حال قيامها بذلك ماهو الهدف؟ والجواب ساطع على هذه التساؤلات إذ أضعف تواجد التنظيم الدولتين السورية والعراقية وحولهما الى بوتقة عالمية للإرهاب، لاسيما عن طريق فتح ممرات دولية للإرهابيين للوصول الى سوريا والعراق، وتسهيل حصولهم على الإمدادات اللوجستية.
والرابح الأكبر هو أمريكا والسعودية وتركيا وبعض الدول الأوروبية حيث وجدت من حلبة الصراع في المنطقة وبعيداً عن أراضيها فرصة تاريخية لتصفية ذوي الميول الإرهابية، بل وحتى أولئك الذين تحدثهم أنفسهم بوجوب الجهاد وان لم ينتموا، فعملوا على تغذية الإحتقان بالترغيب والترويج، ومن الأمثلة على ذلك ما كشف عنه التحقيق المشترك لكل من صحيفة “صاندي تايمز” ومكتب التحقيقات الصحافية عن عمليات أمريكية نفسية، دفعت فيها وزارة الدفاع الأمريكية نصف مليار دولار لشركة “بول بوتنيغر” البريطانية لتنتج أشرطة فيديو مزورة منسوبة لتنظيم القاعدة في العراق، والتي يمكن استخدامها لملاحقة الأشخاص الذين يشاهدونها، وكان الهدف من هذا المشروع السري بث روح الحماسة لدى الشباب المتعطش للانتقام ليتم استقطابهم إلى دائرة ضيقة من كل بلدان العالم بعد مشاهدتهم للمقاطع المصورة التي تظهر حجم الاستبسال والشجاعة وعدم الرهبة والخوف لدى مقاتلي القاعدة، يأتي هذا بالتزامن مع اعتراف لرئيس الوزراء البريطاني السابق “توني بلير” خلال مقابلة تلفزيونية له مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، قال فيها إن الحرب على العراق كانت من أسباب ظهور تنظيم داعش في تلك البلاد.
مايثير السخرية أن الثقب الأسود الذي أوجدته أمريكا في المنطقة تم أيضا بتواطؤ ومساعدة أوروبية، وهو الأمر الذي كشفه تصريح لرئيسة قسم البحث في المركز الأوروبي للاستخبارات الإستراتيجية والأمنية “أفيغيني كوزديفا” قائلة: إن بلجيكا هي الدولة الأولى في تصدير الجهاديين الأوروبيين، فيما أكد “فؤاد حيدر” نائب رئيس برلمان بروكسل إن دولته تتحمل مسؤولية كبرى، فقد تلقت الشرطة طلبات عدة من الأهالي بمنع أبنائهم من الذهاب إلى الجهاد في العراق وسوريا، لكنها كانت ترد بعدم إمكانية ذلك، والحقيقة أن ما كان يجري هو فرصة للتخلص من هؤلاء الشباب “لأنهم أجانب” حيث كان يُنظر لهم كمتطرفين سيذهبون ولن يعودوا.
في ختام ما أوردناه.. إن الأغلبية الصامتة من شعوب المنطقة هي التي دفعت ثمن هذه الفوضى، حيث وقعت بين سندان داعش الارهابي والتنظيمات المشابهة له، ومطرقة قوى التحالف الدولي التي احتشدت بترسانتها بزعم مقاتلة وإزالة هذه التنظيمات بأي ثمنٍ كان، ولتحقيق مآربها في تقسيم وتحويل المنطقة الى ثقب أسود تعمه الفوضى.
المصدر / الوقت