الشعب الإيراني يُسطِّر ملحمةً تاريخية نموذجية: حين تتكامل الإرادة مع الإنتماء الوطني؟
“قُمت بتغطية الحدث الإنتخابي في كثيرٍ من الدول، لكن مشهد الإنتخابات في طهران لم أكن اتوقعه، فكثافة الحضور كانت رائعة، وتُثبت أن الديمقراطية في ايران هي أمر حقيقي.” هكذا عبَّر أحد الصحفيين الأجانب، الذين نقلوا الحدث الإنتخابي الإيراني. فالإنتخابات في إيران، لم تكن كالإنتخابات في أي مكان. الشعب هو من يُحدد خياراته المستقبلية. فليس مُهماً الخطاب الإعلامي، أمام ما يُريده الشعب. الجميع هنا، يعتبر اختيار الرئيس قضية وطنية. والسبب: إيران الثورة هي الأولوية، والإرادة لا بد أن تتكامل مع الإنتماء الوطني، لتُصبح الإنتخابات ملحمة تاريخية ونموذجية.
أسس النظام: بعض الأسرار والحقائق تشرح ما جرى بالأمس
من رحم الثورة خرج نظام الحكم في إيران. عام 1979، قرَّر الشعب اعتماد الحكم الجمهوري بعد أن جرى استفتاء حول ذلك، ليُقرر بعدها تحديد رئاسة السلطات الإجرائية والتشريعية عبر الإنتخابات. وهو ما يُعتبر نموذجياً في حكم أي دولة، ويجعل من إيران التي تحكمها الأسس الإسلامية دولة مُعاصرة في عمليتها السياسية والديموقراطية، حيث يختار الشعب الرئيس مباشرة دون أن يخضع ذلك لمصالح وتحالفات التيارات السياسية كما يجري في أغلب الدول.
كيف تميَّزت الإنتخابات من حيث الإجراءات؟
تطرقنا سابقاً الى الحملات الإنتخابية التي سبقت عملية الإقتراع. واليوم نُشير لما ميَّز عملية الإقتراع التي جرت بالأمس، وكانت حديث وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.
أولاً: تجاوزت حجم المشاركة 71 %. حيث وصل عدد الناخبين لأكثر من 40 مليون مُقترع من أصل 56 مليون ناخب يحق لهم التصويت وفقا للقانون. اصطف أغلبهم في طوابير لساعات، بمختلف قومياتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم.
ثانياً: لم يُسجَّل أي خرق أمني أو إشكال سياسي. بل ساد الهدوء والأمن والتنظيم، الأجواء الإنتخابية على كامل الأرض الإيرانية وفي كافة مراكز الإقتراع التي بلغت 63429 مركزاً انتخابياً.
ثالثاً: تهافت الإعلام العالمي والإقليمي لنقل الحدث. حيث قدِم أكثر من 650 صحفياً أجنبياً من 43 دولة لتغطية الحدث الإنتخابي. اعترفت جميعها بوصف الإنتخابات بالمنقطعة النظير.
رابعاً: شارك الإيرانيون خارج بلادهم تأكيداً على انتمائهم للوطن الأم. فقد نُظِّمت الإنتخابات في 103 دول على الرغم من محاولات أنظمة هذه الدول منع حصول ذلك.
الدلالات والتحليل
عدة مسائل يمكن تحليلها نُشير لها في التالي:
أولاً: أثبت الشعب الإيراني أنه يمتلك ثقافة خاصة لا تتأثر بمجريات الأحداث السياسية والإعلامية. فقد عكفت وسائل الإعلام الأجنبية للترويج الى عناوين عديدة تخالف الواقع الحقيقي لمجريات العملية الديمقراطية. حيث ومنذ بداية الحملات الإنتخابية، سعت لإظهار الإختلاف الطبيعي بين المرشحين، على أنه خلاف. وقامت بتسليط الضوء على التنافس وكأنه معركة تتعارض مع أصول النظام والثورة الإسلامية. وهو ما أفشله الحضور الكبير للشعب الإيراني، والذي أظهر التناغم بين الشعب والنظام.
ثانياً: أثبت الشعب الإيراني أنه مُحصَّنٌ أمام التحديات كافة. بل أثبت انتمائه لهمومه القومية ومصالحه الخاصة. وهو ما تفتقده الكثير من الدول، لا سيما تلك التي تدعي التكامل بين أنظمتها وشعوبها. الأمر الذي جسَّد سيادة الشعب على النظام في دولةٍ تتبع نظاماً إسلامياً، يختار فيه الشعب مسؤوليه إما بشكل مباشر أو غير مباشر. وهو ما ينتقص العديد من الدول التي تحكمها أنظمة استبدادية تحت مسميات ملكية أو غير ذلك.
ثالثاً: رغم المساعي الأمريكية ومنذ 37 عاماً لإجهاض روح الثورة الإسلامية، أفشل الشعب الإيراني هذه المساعي. وذلك من خلال التواجد في ساحة هذه الثورة، وهو ما لا ينفصل عن أصلها ومبادئها. الأمر الذي مثَّل طاعة من قِبل الأمة الإيرانية للمرشد المؤتمن على مصلحة إيران الإستراتيجية. فلم يكن الحضور تعبيراً عن المشاركة في التكامل بين الشعب والنظام فحسب، بل كان تعبيراً عن تواجد الشعب في كل مفاصل الحياة السياسية تحت سقف المبادئ الثورية وتعليمات القائد.
بإختصار، إنتصرت إيران بإرادة شعبها على كل الآمال التي تسعى لإخضاعها. فالحديث عن تعاظم دولٍة كالجمهورية الإسلامية، لا يجب أن ينفصل عن إرادة شعبٍ يمتلك تاريخاً وثقافة، ويستحق بالنتيجة جعله نموذجاً. وهو ما أثبتته إنتخابات الأمس، بالحد الأدنى.
المصدر / الوقت