رفع علم كردستان في كركوك مخالفة للدستور وضرب لانسجام المكونات الداخلية
لا تزال مفاعيل القرار الذي اتخذه مجلس محافظة كركوك في الـ27 من آذار مارس الماضي القاضي برفع علم اقليم كوردستان على المباني والدوائر الحكومية في المحافظة يتفاعل، وسط اعتراض المكونات الداخلية للمحافظة من عرب وتركمان على القرار، إضافة إلى اعتبار الأمر من قبل الحكومة العراقية بمثابة مخالفة دستورية يجب التراجع عنها.
هذا وكان مجلس النواب العراقي وبعد أيام قليلة على قرار مجلس المحافظة قد صوت على قرار يُلزم محافظة كركوك إنزال علم كردستان من على الأبينة الحكومية، إلا أن المحافظة رفضت القرار واستمرت في خطوتها.
هنا ولتفنيد الأبعاد المختلفة لهذا القرار الخاطئ من الجيد تناوله من الناحية القانونية. قانونيا ودستوريا إن محافظة كركوك لا تتبع اقليم كردستان بدلالة المادة (140) من الدستور العراقي، كما أنه واستنادا إلى المادة الأولى من الدستور العراقي فإنها تنص على أن جمهورية العراق هي دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة. هذا البند يؤكد وجود إشكالية في رفع علم كردستان حتى في اقليم كردستان نفسه.
إضافة إلى ذلك فإن القانون العراقي رقم (9) لسنة 2008م الذي تناول تعديل قانون علم العراق لم يمنح بالأصل المحافظات أي حق برفع علمها الخاص. وبناء على ذلك فإن رفع علم كردستان يعد مخالفة دستورية في نفس اقليم كردستان فكيف به في محافظة كركوك. كما أن قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21 لسنة 2008) لم يتطرق إلى منح المحافظات تلك الصلاحية أيضا.
هذه التفاصيل ومن خلال الوثائق القانونية قد أوضحتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء في رسالة مخاطبة محافظة كركوك، مطالبة إياها باحترام الدستور وتنفيذ قرار مجلس النواب وإعادة رفع العلم العراقي بدل علم كردستان على المباني والإدارات الحكومية.
بدورهم المكون التركماني وبعيد قرار مجلس المحافظة الذي مُرر من خلال أصوات الكرد، أعلن رفضه لهذا القرار منتقدا هيمنة مكون واحد على قرارات ومقدرات المحافظة، وبدأ التركمان بحراك مهم رفضا لهذه الخطوات الأحادية الجانب التي اعتبروها تفتقد للشرعية، فعقدوا مؤتمرا في الـ17 من الشهر الحالي في العاصمة العراقية بغداد تحت عنوان (مستقبل التركمان في عراق موحد) حضره رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب العراقي إضافة عن ممثل للأمين العام للأمم المتحدة. وخرج المؤتمر بتوصيات عُرفت بإعلان التركمان وهي عبارة عن مطالبات تخص السلطات التشريعية والتنفيذية إضافة إلى تحديد خطوط العلاقة مع الكرد وحكومة اقليم كردستان فضلا عن الدور التركماني في بناء العراق الموحد.
هذا المؤتمر تبعه لقاءات تركمانية في كركوك إضافة إلى تشكيل هيئة تنسيقية لتفعيل مقررات إعلان التركمان الذي صدر في بغداد.
المكون العربي في محافطة كركوك بدوره أعلن ومنذ اليوم الأول رفضه لقرار لمجلس المحافظة معتبرا إياه ضربا لوحدة وانسجام المكونات الداخلية في كركوك، محذرا من الوقوع في أخطاء قد تؤدي إلى فتنة ومشاكل في المستقبل.
الرفض التركي
تركيا بدورها أبدت انزعاجها من القرار في بيان لخارجيتها معتبرة إياه “انتهاكا للدستور العراقي”. وقد جاء في بيان الخارجية التركية إن “الإصرار على الخطوات الأحادية الجانب في كركوك سيضر بالحوار وبالعملية الدستورية في العراق” وحذر من تأثير سلبي للقرار على الأمن والاستقرار في البلاد فيما أشار البيان إلى مقاطعة نواب عرب وتركمان لجلسة التصويت في مجلس المحافظة.
موقف الدول المحيطة
على الرغم من أن الأكراد تمكنوا بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي من جلب الأنظار صوبهم، إلا أن جميع الدول المحيطة باقليم كردستان تقف في وجه تأسيس كيان سياسي مستقل للأكراد لأسباب كثيرة منها أن هذه الدول كإيران وتركيا وسوريا لديها شريحة كردية ضمن الخليط السكاني من جهة، كما أن هناك مخاوف من أن تكون هذه الدولة في حال ولادتها يد وذراع لجهات خارجية ودولية تريد العبث في أمن المنطقة.
لذا فإن أي خطوة تعزز من فرص الأكراد في تقوية بنية دولتهم ستقابل بمخالفة ومواجهة قوية من كافة الأطراف الداخلية والخارجية. فكيف إذا كانت خطوة كالتي أقدم عليها مجلس محافظة كركوك، خطوة ليس لها أي مسوغ قانوني ودستوري بل وتنتهك ولا تأخذ بعين الاعتبار موقف وحق المكونات الداخلية الأساسية في هذه المحافظة.
التعنت من قبل مجلس محافظة كركوك لن يفيدهم شيئا بل سيزيد من حجم الشرخ الذي أوجدوه، لذا من المنتظر أن يعود العلم العراقي ليرفرف فوق أسطح المباني والمؤسسات الحكومية وتعود العلاقات بين المكونات إلى سابق عهدها حتى يتمكن الأطراف من متابعة مسيرة الحوار الداخلي العراقي من أجل مستقبل أفضل لهم ولأبنائهم في عراق مستقل وموحد.
المصدر / الوقت