هجوم باب المندب.. ضربة عسكريّة أم مسرحيّة استخباراتيّة؟
هجمات جديدة شهدها مضيق باب المندب الاستراتيجي خلال الساعات الماضية. وفي حين لم تتبنّ أي جهة حتى الساعة مسؤوليّة الحادث، يتحدّث مراقبون عن كون العملية مصطنعة من قبل جهات في محاولة منها لحصد مكاسب عدّة في ضربة واحدة.
فقد أعلنت القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي في بيان أن المهاجمين أطلقوا قذائف صاروخية على الناقلة “إم.تي موسكي”، التي ترفع علم جزر مارشال، في جنوب مضيق باب المندب، مشيرة إلى أن حمولة الناقلة تبلغ 70362 طنا.
أنصار الله: مسرحيّة أمريكية وأهدافنا عسكريّة
رئيس اللجنة الثورية العليا في اليمن محمد علي الحوثي أكّد أنّ ما حصل من هجوم في باب المندب على الناقلة النفطية إم تي موسكي مسرحية أمريكية لا علاقة لنا بها.
وقال محمد علي الحوثي: إن باب المندب تحت الاحتلال والمسؤول عما حصل فيه تحالف العدوان الامريكي السعودي، وما حدث في باب المندب يندرج في إطار المؤامرة الأمريكية على الممر اليمني المحتل.
وأوضح، أن مجاهدي البحرية أهدافهم عسكرية، وقد أوقفوا أكثر من عملية لاقتراب ناقلات مدنية من أهداف عسكرية.
خفايا وأسباب
أسباب عدة قد تدفع بواشنطن، وبالتنسيق مع السعودية أو من دونه إلى اللجوء لعمليات التضليل الاستخبارية، وفي حين أن الشكل والمضمون يؤكد وجود قطبة مخفيّة خلف الحادث، هناك جملة من الإشارات تعزّز وجود مسرحيّة أمريكية تتعدّى حدود المضيق الاستراتيجي، نذكر منها:
أوّلاً: يعد المضيق معبرا استراتيجيا يمر منه جزء كبير من النفط العالمي، قرابة أربعة ملايين برميل من النفط الخام يوميا، فضلا عن سلع تجارية أخرى إلى أوروبا وأمريكا وآسيا، وبالتالي فإن تهديده يعدّ تهديداً للأمن والسلام العالمين باعتباره الشريان الأساسي لتوريدات النفط إلى أوروبا وأنحاء العالم حيث يمرّ عبره ما يربو على 4.7 ملايين برميل نفط خام يوميا، تمثل نحو 5.4% من إجمالي إنتاج العالم من الذهب الأسود، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. أي أن واشنطن تريد استخدام هذه الذريعة أمام الكونغرس الأمريكي للحؤول دون عرقلة صفقة السلاح. إدارة البيت الأبيض والبنتاغون يريدان إتمام الصفقة بأي شكل ممكن، وهذا ما يفسر استهداف سفينة نفطيّة وليست عسكرية كي تكون الذريعة أمام الكونغرس أكبر.
ثانياً: ربّما يكون هذا الأمر مقدّمة للهجوم على ميناء الحديدة الذي اعتبره وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، ستيفن اوبراين في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي قبل يومين “شريان الحياة” للواردات اليمنية. ما يعزّز هذا الاحتمال هو ما قالته الصحف الأمريكية مؤخراً عن تأييد وزير الدفاع جيمس ماتيس زيادة الدعم العسكري للتحالف السعودي، بينما أوصى وزير الخارجية ريكس تيلرسون “بالمساعدة في طرد “الحوثيين” من ميناء الحديدة”. ربّما يكون هذا الأمر من تبعات زيارة ترامب وصفقة مئات المليارات التي حصل عليها، فهل ستضرب السعودية قرار مجلس الأمن والمنظمات الإنسانيّة عرض الحائط؟
ثالثاً: البعض تحدّث عن محاولات سعوديّة للزجّ بمصر بشكل أكبر في عدوانها على اليمن باعتبار أن استفادة اليمن معدومة من عائدات المضيق التي تذهب جميعها لقناة السويس المصرية، التي ستكون أكبر المتضررين في حال توقف العمل فيه. فإذا أرادت مصر حماية عائداتها في قناة السويس لا بدّ لها من دفع الجزية العسكرية.
رابعاً: اتهم قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتيل نهاية مارس/آذار الماضي “أن مليشيا الحوثي في اليمن تهدد الملاحة في باب المندب بأسلحة أمدتها بها طهران”، موضحاً في جلسة استماع في الكونغرس “إن لدى الحوثيين قدرات عسكرية متطورة بمساعدة من إيران تهدد حرية الملاحة في مضيق باب المندب الإستراتيجي”. أي أن واشنطن قد تسعى لسوق هذه الهجمة نحو أنصار الله ومن خلفها طهران، رغم نفي اليمن. وخير دليل على ذلك الهجمات الثلاث السابقة، والتي تبنّت اثنين منها حركة أنصار الله، مدمرة السعودية و”سويفت” الإماراتيّة، كانت عسكريّة بامتياز، وهذا ما أكّده محمد علي الحوثي. إضافةً إلى ذلك فإن المنطقة التي وقع فيها الهجوم مقابلة لمناطق سيطرة قوى العدوان، فهل الاشتباكات التي تجري بين قوى العدوان في عدن وغيرها من المناطق انتقلت إلى المضيق الاستراتيجي؟
خامساً: البعض ذهب إلى أسباب اقتصاديّة فمضيق باب المندب أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها احتضانا للسفن العابرة من الشرق إلى الغرب والعكس، تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية. أي أن التوتّرات الأمنية لن تجعل المضيق مفتوحا بشكل آمن أمام حركة الملاحة الدولية، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع قيمة التأمين على البواخر التي تمر عبر المضيق (هناك جزء كبير من شركات التأمين أمريكية)، نظراً إلى أن إغلاق المضيق سيجبر الناقلات النفطية على الدوران حول رأس الرجاء الصالح، بمسافة إضافية قدرها ستة آلاف ميل بحري إلى البحر المتوسط وأوروبا.
ما تريده واشنطن اليوم بشكل رئيسي إيجاد صورة لدى الرأي العام الأمريكي، والعالمي بشكل عام، أن المياه اليمنية الدولية على صفيح ساخن، وأنّ خريطة الحركة التجارية والملاحية تتّجه نحو التغيير، بغية تمرير الصفقة دون عراقيل.
ورغم أن واشنطن قد أرسلت سابقاً مدمرتين لحماية ممر الملاحة الدولية (تعرضتا لثلاث هجمات صاروخية متتالية في أقل من عشرة أيام)، إلا أنه ليس في صالح أي طرف إغلاق مضيق باب المندب أو نشوب حرب هناك، لذلك يعدّ اللعب بأمن الممرات الدولية المحمية بموجب القانون الدولي، عبر مسرحيات عسكرية، أمر خطير قد ينعكس على فاعليه قبل أيّ طرف آخر.
المصدر / الوقت