خصخصة الأمن في العراق، أداة للنفوذ الأمريكي
إن خصخصة الأمن والإعتماد على شركات خاصة لحماية المنشآت الحيوية والبنى التحتية هي إحدى الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق (بعد العام 2003) بغية تعزيز نفوذها على الصعيد الأمني والإقتصادي فيه.
وفي هذا المجال، أعلنت وسائل إعلام عراقية في الأيام الماضية، نقلا عن مصادر حكومية، أن شركة أمريكية تسلّمت تأمين الطريق العام الذي يربط بغداد بطريبيل، وهو طريق ترانزيت بين العراق والأردن.
لاقى هذا الخبر ردود افعال ومعارضة من بعض القيادات والشخصيات العراقية، ووصل الى مطالبة بعض النواب بإلغاء العقد. إلّا أنه لا زال قائما، وتسعى الدولة العراقية من خلال إعادة تأهيل الطريق الى إعادة الحياة إليه لإستئناف التبادل التجاري بين العراق والأردن من جديد.
الطريق الدولي بين العراق والأردن يبلغ طوله حوالي 430 كلم، ويمتد من العاصمة العراقية بغداد، مرورا بمحافظة الأنبار غربي البلاد، وصولا الى العاصمة الأردنية عمان. وقد سيطر تنظيم داعش الإرهابي عليه بعد الهجمة التي شنها على العراق، وتم إغلاقه في العام 2014 بعدما سيطر التنظيم على محافظة الأنبار. وقد تعرض الى دمار كبير، عندما قام داعش بحفر الخنادق وتفجير القناطر والجسور على طول امتداده، وفجر 46 جسرا بدءًا من الفلوجة الى مدينة الرطبة، وكذلك فجر بحدود 65 قنطرة على نفس المسافة على ذلك الطريق الدولي، الذي يقدر حجم التبادل التجاري عليه بـ 13 مليار دولار.
وحسب مكتب رئيس الوزراء العراقي، قامت الدولة العراقية بتوقيع عقد مع شركة اوليف (OLIVE) الأمنية الأمريكية، لتأمين وإعادة تأهيل الطريق الدولي بين بغداد وعمان، بعد ثمانية أشهر من مباحثات قام بها ممثلون عن الحكومة المركزية، توصلت في نهاية المطاف الى تسليم المشروع للشركة الأمريكية. وقد صرح رئيس مجلس محافظة الأنبار أن الشركة ستباشر عملها في الخامس عشر من شهر تموز القادم، ويقال إنه تم التباحث في المشروع خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها مستشار دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر إلى بغداد.
يذكر أن العقد مدته خمس سنوات، حيث تعهدت الشركة بتأمين الطريق، واللافت أنها ستمتلك طائرات هليكوبتر لتأمين حماية من الجو إذا حدث أي طارئ، وستقوم ببناء مراكز امنية، محطات استراحة، مطاعم ومحطات بنزين على طول الطريق.
شركات أمريكية لأهداف مبطّنة
في الظاهر إن شركة اوليف (OLIVE) هي أول شركة أمن خاصة على الصعيد العالمي حصلت على الترخيص الذي أقرته الحكومة البريطانية في ديسمبر/ كانون الأول 2012 كمعيار لشركات الأمن الخاصة، وهو معيار تابع للمعهد الوطني الأمريكي للمعايير. اما الخبراء العراقيون فيرونها واحدة من الشركات التابعة لمجموعة الشركات الأمريكية كونستلايز (CONSTELLIS) التي يعتبرونها تمويها لشركة “بلاك ووتر” الأمنية، والتي اطلقت النيران في وضح النهار على الشعب العراقي وسط بغداد في جريمة بشعة راح ضحيتها 17 مواطن بريء بتاريخ 17 أيلول 2007، وبعدها قامت الدولة العراقية بإخراجها من أراضيها. وهي تسعى منذ ذلك الوقت للعودة الى العراق عبر ايجادها شركات موازية لها بأسماء مختلفة، كأولايف وأكاديمي (ACADEMI) وكونستلايز (CONSTELLIS).
مكتب شركة أوليف موجود في البصرة تحت عنوان “الزيتون” وأنشأت مكاتب أيضا في بغداد وأربيل، تعمل في تأمين خدمات أمنية للشركات الأمريكية والأجنبية والسفارات والقنصليات الأمريكية في العراق.
هذه الشركات مهمة بالنسبة للبيت الأبيض، فهي تؤمن له رقابة وإشراف على أهم النقاط التي تعاني من أزمات حالية، كالطريق الدولي بين العراق وعمان، تحت غطاء سلمي. ولأن الجيش الأمريكي لا يمكنه التواجد في بعض المجالات الحقوقية والمدنية في العراق، فهو يسعى عبر هذه الشركات إلى ملئ الفراغ الحاصل، والإستفادة من قواتها في تحقيق أهدافه المبطنة.
عدم الإستقرار هو أساس عملها
إن هذه الشركات الخاصة، أمثال أوليف وغيرها، تحتاج الى أجواء انعدام الأمن والإستقرار في مختلف مناطق العالم لتعزيز أرباحها، وبالتالي فإن تأسيس شركات كهذه تحت شعارات سلمية مناف للعقل والمنطق. فتعزيز الأمن والإستقرار يعني انتهاء عملها، ولذلك يجب الإلتفات جيدا قبل تسليم الطريق الدولي في العراق الى شركة كـ”اوليف”.
صحيح أن العنوان العريض لتواجد هذه الشركات على الأراضي العراقية هو تحسين الأوضاع الأمنية في البلاد أو تأمين الحماية للقوات الأمريكية، إلا أن التقارير تشير إلى فعاليتها وتورطها في الإخلال بالأمن العراقي. وما قامت به شركة بلاك ووتر من استجواب للمواطنين العراقيين، وأعمال تجسسية لصالح وزارة الدفاع الأمريكية والـCIA، وما فعلته في الفلوجة عام 2004 من إخلال بالأمن، والجريمة التي ارتكبتها في بغداد عام 2007، هي خير دليل على أن هذه الشركات هي أداة تستفيد منها أمريكا لتحقيق أهدافها وتأمين نفوذها في المنطقة.
ختاماً، في الوقت الحالي الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الى تأمين مصالحها الإقتصادية في العالم، وذلك واضح من كلام ترامب وسياسته الخارجية، يبدو أنها سوف تعمل بشتى السبل على تحقيق الأمن بصورة جزئية عند الطريق الدولي بين العراق والأردن، وتقوم بالوقت نفسه بتحقيق أطماعها ومكاسبها على الصعيدين، الأمني والاقتصادي.
المصدر / الوقت