قراءة في اسباب ومقومات نجاح اضراب الأسرى الفلسطينيين
بعد 41 يوماً من اضراب الكرامة الملحمي، تمكن الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الاسرائيلي من اجبار سلطة السجون على الاذعان لمطالبهم، والتوصل الى اتفاق من 11 بنداً تخص أهم القضايا المطلبية للأسرى، وذلك بعد مفاوضات شاقة بين قادة الأسرى بزعامة مروان البرغوثي مع إدارة السجون الإسرائيلية، وهو ما يعني عمليا تحقيق 80 في المئة من مطالب الاسرى الإنسانية والمعيشية، التي رفعوها في إضرابهم الملحمي والبطولي.
وهدد أكثر من (1600) اسير فلسطيني، في السجون الإسرائيلية بالعودة الى الاضراب المفتوح الذي بدء منذ الـ17 من الشهر الماضي في حال نكثت إدارة السجون الإسرائيلية بالاتفاق والتي تضمن 11 بندأ أهمها:
1- توسيع أرضية ومعايير الاتصال الهاتفي مع ذوي الأسرى.
2- الموافقة على لقاء الاسرى بعوائلهم وابنائهم داخل السجون.
3-الاتفاق حول مستشفى سجن الرملة وإعادة الأسرى إلى المستشفى الكبير الذي جرى إعادة إصلاحه.
4- تحسين ظروف اعتقال الأشبال (القاصرين) وتنقلاتهم وتعليمهم والعديد من القضايا المتعلقة بذلك.
5- إعطاء التزام مبدئي بتقصير الفترة الزمنية بين زيارات غزة لتصل لمدة تكون كل شهر، عوضا عن شهرين أو أكثر، فضلا عن تحسين ظروف الزيارة مثل التقاط الأسرى صورا مع ذويهم.
6- نقل الأسرى إلى سجون قريبة من أماكن سكن عائلاتهم.
كيف نجح الاسرى في اذلال المحتل في عقر سجنه؟
– مع بداية اضراب الكرامة لم يأخذ كيان الاحتلال الاسرائيلي الاضراب على محمل الجد، اذ لم يكن بحسبانه أن الأمر سيطول الى هذه الدرجة أو ربما لشكِّه بقدرات وطاقات الاسرى، حيث اقترح وزير الحرب في حكومة الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، تبني سياسة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر مع وصفهم “المخربين” المضربين عن الطعام. وأضاف ليبرمان متهكماً: “آمل أن ينضم أعضاء الكنيست عن القائمة العربية المشتركة والشيخ رائد صلاح بسرعة إلى المضربين عن الطعام دون أن ينهاروا ودون أن يأكلوا الدجاج ليلاً”. ويقصد ليبرمان الطريقة التي تعاملت بها مارغريت تاتشر مع إضراب قادة ومناضلي الجيش الجمهوري الإيرلندي عن الطعام العام 1981 حيث رفضت التفاوض معهم مطلقا ما أدى إلى وفاة عشرة منهم، بعد إضراب عن الطعام استمر 66 يوماً امتنعوا فيها عن تناول أي طعام.
– وقبل هذا الاضراب المنظم عن الطعام شهدت سجون الاحتلال عدداً من الاضرابات المماثلة وكان أشهر تلك الحوادث الفردية اضراب القيادي في حركة الجهاد الاسلامي الشيخ خضر عدنان الذي خاض في عام 2015 إضرابا عن الطعام لأكثر من شهرين ليتم الإفراج عنه بعد ذلك، وتتعهد سلطات الاحتلال بعدم اعتقاله إداريا.
– ولكن نجاح اضراب الكرامة اثبت أن عزيمة الأسرى المناضلين لا يمكن ان تواجهها وتتغلب عليها اية قوة مما بلغ حجم الحديد والنار الذي تملكه، بفعل الحكمة في التخطيط والدقة في التنفيذ.
ومع الماء والملح بدأ الاضراب، ووصل الى التوقف شرب الماء حتى تقتنع ادارة السجون الاسرائيلية أنهم ماضون في الحصول على مطالبهم حتى الموت، وبناءاً عليه تمكنوا من تحقيق النصر على السجان، ولم يعلنوا عن وقف نهائي لإضرابهم بل علقوا اضرابهم عن الطعام تعليقا فقط تحسبا من غدر ادارة السجون لهم، فإن عادت عن موافقتها يعودون للإضراب بشكل مباشر.
– ومما يلفت الانتباه في معركة الأمعاء الخاوية أو المعركة الاستراتيجية في السجون التي تكلل بالنجاح، الدور الرئيسي للقيادي مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الذي يقضي خمسة أحكام بالسجن المؤبد أمضى منها15 عاماً، مما دفع وسائل الإعلام الإسرائيلي للحديث عنه والتحذير من تحول البرغوثي الى شخصية ثورية عالمية وليست فلسطينية فقط، اذ رأى العديد من المعلقين الإسرائيليين أن البرغوثي تمكن من خلال الاضراب من لم الشمل الفلسطيني بشكل جيد واستعادة دوره ومكانته في الشارع وظهر بمظهر الشخصية القيادية التي تلقى قبولاً كبيراً لدى الفلسطينيين مما يمهد الدور له لمرحلة ما بعد محمود عباس، ناهيك عن نجاح البرغوثي وقبل فترة قريبة من الحصول على أعلى نسبة من الأصوات في انتخابات مركزية فتح، اي أن الرجل استطاع أن يخط وبالقلم العريض اسمه كشخصية ثورية وقيادية من الوزن الثقيل.
كذلك يحظى البرغوثي بقبول لدى حركة حماس والجهاد الاسلامي وقواعدهما الشعبية، كون الأسير البرغوثي قيادياً خرج من الاحياء الشعبية الفقيرة، وكان رئيس أركان الانتفاضة الثانية، كما حظيت خطواتها المتعلقة بالتوافق الفلسطيني التي أعدها في السنوات الأخيرة من داخل السجن، بقبول كبير.
اضافة الى ما سبق فان نجاح اضراب الكرامة من حيث التنظيم ومن حيث تحقيق المطالب سيكون نقطة تحول هامة في اعادة احياء وتوحيد الحركة الأسيرة بمختلف مكوناتها ومقدمة، كما قال البرغوثي، لتشكيل قيادة وطنية موحدة خلال الأشهر القليلة القادمة استعدادا لخوض معركة انتزاع الاعتراف بالأسرى كأسرى حرب وأسرى حرية وتطبيق اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة عليهم.
اذاً يمكن القول إن اضراب الكرامة أتى ملحمة اسطورية للأسرى وقياداتهم، مما أثبت عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة الارادة الصلبة للفلسطينيين، وبذلك سطر الاسرى مرة أخرى دروساً في القوة والتحدي بعد أن كان درسهم الأول في ساحات القتال.
المصدر / الوقت