ماهي آفاق وتبعات استقلال إقليم كردستان عن العراق في حال حدوثه؟!
أثار الحديث حول موضوع إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق الكثير من التسأولات حول إمكانية هذا الإستقلال في ظل وجود رفض دولي وإقليمي ومحلي له، كما أثيرت تسأولات كثيرة حول موعود هذا الإستفتاء مع اقتراب انتهاء معركة الموصل والقضاء على تنظيم “داعش” وماهو مصير الأكراد الذين يعيشون خارج الإقليم، إضافة إلى وجود مناطق متنازع عليها بين حكومة بغداد وأربيل.
وفي إطار سعيه لبلورة إجماع كردي حول موضوع اجراء استفتاء تقرير المصير ضمن إطار الدولة العراقية من عدمه، ترأس رئيس اقليم كردستان، مسعود بارزاني اجتماعا مع كبار المسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق، وخرج الإجتماع بالاتفاق على إجراء استفتاء لاستقلال الإقليم في 25 سبتمبر/أيلول، وتم تحديد يوم السادس من تشرين الثاني المقبل موعد للانتخابات البرلمانية ورئاسة الإقليم.
بدورها حثت الحكومة المركزية في العراق، الأكراد على عدم إجراء هذا الإستفتاء، وأعلنت أحزاب معارضة كردية وعلى رأسها حركة التغيير تحفظها من القرار ورأت أن الأرضية غير مهيئة لإجراء هذا الإستفتاء، من جانبها اعتبرت أنقرة إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق يعد خطأ كارثي، ودعت موسكو إلى دعم وحدة أراضي العراق واحترام ومراعاة الحقوق المشروعة لجميع الطوائف والمجموعات القومية من دون شروط، والكرد يمثلون كبرى تلك المجموعات. حتّى أنّ واشنطن، الحليف الأبرز للأكراد، دعتهم إلى التريّث.
إذا ماذا ينتظر الأكراد ولماذا هذا الإصرار على الإستقلال في هذا التوقيت بالذات ولصالح من سيكون هذا الإستقلال في حال حدوثه؟!
من خلال مراقبة بسيطة لما يجري الآن على الأراضي العراقية من أحداث، نجد أن البعض يسعون للحصول على أكبر مكاسب ممكنة في مرحلة ما بعد “داعش”، والقيادة الكردية هي احدى الأطراف التي تريد الحصول على “أفضل صفقة” بعد هزيمة داعش في العراق ، وما تقوم به اليوم من خلال طرحها لموضوع الإستقلال ما هو إلا ورقة ضغط للحصول على أفضل المكاسب وهذا ما أكد عليه هوشيار زيباري، وهو مسؤول كردي كبير.
ولا يقتصر الأمر في تحقيق هذه المكاسب على القيادة الكردية، فالولايات المتحدة التي خذلت الأكراد مرارا وتكرارا قد تشكل غطاء سري لنجاح الاستقلال بغية تحقيق أهدافها في العراق، وهذا ما كشف عنه “جيمس جيفري” ، وهو كاتب أمريكي مخضرم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حيث لخص جيفري في مقالة له الاستراتيجية الأمريكية في العراق، مشيرا إلى ان الولايات المتحدة تعتزم البقاء في العراق، هذا البلد الذي قال عنه جيفري “فيه ما يقرب من ثلثي احتياطيات السعودية من النفط والغاز، ويحتوي على مياه وفيرة”. وكان من اللافت ماقاله جيفري في حال رفض العراق للتواجد الأمريكي فيه، قائلا “إنه من غير المستبعد تلويح واشنطن لبغداد بورقة التقسيم في حال رفض العراق التواجد العسكري والاقتصادي الأمريكي في مرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي”.
ومن خلال هذه السطور التي ذكرناها آنفا، نجد استقلال إقليم كردستان لن يصب لا في صالح الأكراد ولا العراق، وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، للأسباب التالية:
أولا: صحيح أن معركة الموصل اقتربت من نهايتها، لكن المعارك لا تزال دائرة هناك، يضاف إلى ذلك أن المنطقة على صفيح ساخن وتعيش أزمات وحروب مصيرية في السياسة والميدان، كما ان بعض الدول المجاورة تجد في الاستقلال تهديدا لأمنها القومي.
ثانيا: استقلال الإقليم سيضعف العراق ككل، وربما يتسبب في تقسيمه إلى عدة دويلات وهذا ما تسعى إليه بعض الدول الإقليمية والدولية.
ثالثا: يعيش الإقليم أزمات اقتصادية صعبة بسبب تراجع أسعار النفط، التي تعتبر المصدر الرئيسي لإقتصاد الإقليم، بالإضافة إلى وجود معارضة داخلية ترفض هذا الإستقلال، وبالتالي فإن الإستقلال قد يؤدي إلى شلل مؤسسات الدولة المستقبلية.
رابعا : الاستفتاء اذا تم دون علم بغداد سيكون له تبعات وخيمة على الأكراد هم بالغنى عنها. على سبيل المثال المناطق المتنازع عليها في حال تم الاستفتاء فيها دون الرجوع إلى بغداد ستكون محط نزاع مستقبلي بين البلدين، وهذا ما قد يجعل هذه المنطقة النفطيّة بوابة لمواجهات كردستان بالغنى عنها.
خامسا: أمريكا التي تظهر دعمها العسكري بشكل مستمر للأكراد، ما زالت ترفض حتى اليوم ترسيخ التعاون السياسي معهم، حاصرة العلاقة بالدعم العسكري للإستفادة من الورقة الكردية في مشاريعها.
مما تقدم نجد أن المستفيد الوحيد من استقلال الإقليم هو الغرب، الغرب الذي خدع الأكراد على مر التاريخ لن يساعدهم في تحقيق حلمهم اليوم، وإنما هي محاولات خبيثة غايتها تحقيق مكاسب له في المنطقة بعد أن بدأ يتلمس خساراته المتتالية في المنطقة.
المصدر / الوقت