’الحشد الشعبي’… بين 2014 و2017
تتزامن الذكرى السنوية الثالثة لتأسيس الحشد الشعبي في العراق، استجابة لفتوى “الجهاد الكفائي” لآية الله العظمى السيد علي السيستاني، مع تحولات ومتغيرات كثيرة وكبيرة على الارض، تتمثل بانتصارات باهرة على تنظيم داعش الارهابي، والاقتراب من خط النهاية، سجل الحشد حضورا فاعلا ومؤثرا فيها، ولعب دوراً محورياً، لم يعد بالامكان الاستغناء عنه، او تجاهله والقفز عليه.
ولاسباب ودواع عديدة، وحساسيات وحسابات خاصة، لم تدخل قوات الحشد الشعبي الى المناطق والاحياء التي تحررت في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، ولم تشترك في بعض المعارك، كما انها لم تشترك بمعركة تحرير الرمادي، وتركت المهمة لقوات الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الارهاب، بيد انها كلفت خلال الاسابيع القلائل الماضية بمهام تحرير مناطق استراتيجية في غرب الموصل، بأتجاه الحدود العراقية-السورية، مثل قضاء القيروان وقضاء البعاج، ونجحت في انجاز تلك المهام، لتتقدم وتمسك اجزاء ومساحات مهمة من الحدود بين البلدين، رغم معارضة وتحفظ ورفض اطراف داخلية وخارجية.
خطوة امساك الحدود العراقية-السورية من قبل الحشد الشعبي تنطوي على اهمية كبيرة للغاية، لاسيما وانها جاءت متزامنة ومنسقة مع تقدم قطعات من الجيش السوري من الجانب الاخر.
فالمعروف ان اغلب الارهابيين الاجانب في العراق جاءوا عبر سوريا، وخصوصا بعد اندلاع الاضطرابات في الساحة السورية عام 2011، ناهيك عن تدفق مختلف اشكال الدعم اللوجيستي لعصابات داعش في العراق من سوريا، لذا فان رؤية القيادات العسكرية والامنية العراقية، تقوم على حقيقة ان كثير من المكاسب والانتصارات، لن يكون لها قيمة واهمية حقيقية، ما لم يتم امساك الحدود واحكام السيطرة عليها بالكامل، ولعل تجربة الاعوام الماضية مع التشكيلات العسكرية المعنية بامساك الحدود لم تكن موفقة ولا ناجحة، لذا فانه لابد من بديل عملي وواقعي، بعيد عن المؤثرات السياسية والمغريات المادية، ولايوجد طرف اكثر من الحشد الشعبي، يمكن ان يضطلع بتلك المهمة وينجح فيها.
ولان الاجندات والمشاريع الارهابية باتت مترابطة ومتداخلة بين مختلف الدول، وبالخصوص التي تتجاور جغرافيا، كما هو الحال بالنسبة للعراق وسوريا (يبلغ طول الحدود بين البلدين اكثر من ستمائة كيلو متر)، فأن تضييق الخناق على الجماعات الارهابية في العراق مثلا، يفضي الى اضعافهم في سوريا، والعكس صحيح.
ومن يدقق ويتتبع مسيرة الحشد الشعبي، يجد انها انطلقت بعد صدور فتوى المرجعية في مثل هذه الايام قبل ثلاثة اعوام، من مناطق حزام بغداد، كسبع البور والضابطية وعرب جبور وهور رجب وابو غريب والرضوانية واليوسفية، ومن ثم اتسعت دائرة الفعل والتحرك لتمتد الى جرف النصر وبلد وبيجي والعظيم وعزيز بلد وسامراء وامرلي والفلوجة، وتصل بالتالي الى الحدود العراقية-السورية.
ومثلما كان مهما قبل ثلاثة اعوام، ان يؤمن الحشد الشعبي العاصمة بغداد ومحيطها، ويدفع عصابات داعش بعيدا عنها وعن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء، فان المحافظة على الانتصارات المتحققة طيلة الاعوام الثلاثة المنصرمة، تتطلب الى جانب تكثيف الضربات النوعية القاصمة على اوكار الدواعش في الموصل وغيرها، قطع شرايين الدعم والتمويل والاسناد، وسد الثغرات، عبر امساك الحدود بصورة حقيقية، ووضع حد لمظاهر الفساد والاهمال والخضوع والخيانة والتواطوء، وهذا ما حصل حينما اتجهت تشكيلات من قوات الحشد لتحرير قضائي القيروان والبعاج من الارهابيين الدواعش، وتأمين الحدود مع سوريا، ووضع اليات تنسيقية مع الجانب السوري، من خلال القيادات والمفاصل العسكرية والامنية العليا في كل من البلدين، ولعل الزيارة الاخيرة التي قام بها وفد عسكري سوري لبغداد تأتي في هذا السياق.
وطبيعي ان لاتحظى مثل تلك التطورات بارتياح وقبول اطراف عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، وهذا امر متوقع ولاينطوي على غرابة، في اطار واقع وطبيعة المواقف والتوجهات.
فواشنطن وقوى داخلية وخارجية، قريبة منها ومنسجمة معها، وضعت الكثير من العراقيل والمعوقات امام الحشد الشعبي، منذ اليوم الاول لتأسيسه، بل واكثر من ذلك كان-ومازال-موضع استهداف حقيقي، رغم الاقرار والاعتراف الصريح بدوره الفاعل والمحوري في الحرب ضد الارهاب.
فمرة تثار حملات اعلامية وسياسية منظمة حول تجاوزات فردية، ليتم تصويرها على انها تمثل سياسات ومنهجيات وتوجهات الحشد الشعبي، ومرة يصار الى اثارة مخاوف وهواجس عن وضع الحشد ودوره في مرحلة مابعد داعش.
قد تكون بعض الحقائق المطروحة عن تجاوزات واساءات، والمخاوف المثارة بشأن صورة المستقبل، واقعية ومبررة، بيد انه حينما يتم اقحامها في اجندات سياسية معينة، يراد منها ضرب هذا الطرف واضعاف ذاك، لابد ان تأتي النتائج سلبية، ويغدو من الصعب بمكان التأسيس لمناخات وارضيات مناسبة لازالة ومحو الاثار والتبعات السياسية والامنية والاجتماعية لمرحلة وجود تنظيم داعش الارهابي.
ولعل الحقيقة التي ينبغي الالتفات اليها، هي ان الاطار المرجعي “فتوى الجهاد الكفائي” الذي تأسس الحشد على ضوئه، هو ذاته الذي يمكن ان يحدد طبيعة دور ومكانة وموقع الحشد بعد التخلص من عصابات داعش، مع الاخذ بعين الاعتبار ان اقرار قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب العراقي قبل حوالي سبعة شهور، وضع النقاط على الحروف، وأجاب على تساؤلات واستفهامات عديدة، وبدد قدرا غير قليل من المخاوف والهواجس المثارة.
وقد لايخفى على المراقب، وعموم الرأي العام، ان ثلاثة عوامل ساهمت في ان يضطلع الحشد الشعبي بدور مهم وفاعل، ويتنامى حضوره الميداني من خلال انجازات وانتصارات عسكرية مشرفة، الى جانب دوره في الجوانب الانسانية-الاغاثية للمدنيين الفارين من سطوة داعش، وحسن تعامله مع سكان مناطق المعارك، وهذه العوامل الثلاثة هي، فتوى المرجعية الدينية، ودعم الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتفاعل الجماهيري الواسع من مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي، دون اقتصارها على عنوان ديني او مذهبي او قومي او مناطقي واحد.
ومازالت العوامل الثلاثة المشار اليها حاضرة، ومستوى حضورها وتأثيرها يرتبط بطبيعة اداء الحشد، ومستوى ذلك الاداء واهميته، وربما تتضاعف الاهمية بعد ان وصلت الحرب على داعش الى نهاياتها، فتأمين الحدود وايصاد ابوابها بوجه الدواعش الان، لايقل اهمية عن تأمين بغداد والنجف وكربلاء وابعاد الدواعش عنها قبل ثلاثة اعوام.
المصدر / فارس