صفحة “داعش” تُطوى في الموصل: سيناريوهات مقبلة
معركة الأمتار الأخيرة. أيام قليلة، وربّما ساعات، يطوى فيها الحشد الشعبي صفحة داعش في مدينة الموصل، عاصمة التنظيم الإرهابي في العراق.
صفحة خطّت سطورها بدماء عشرات الألاف من العراقيين. ما قبل داعش ليس كما بعده، هذا ما تُجمع عليه الأطراف العراقية على مختلف انتماءاتها العرقية والدينية والمذهبية.
المعركة حامية الوطيس، إلاّ أنها باتت بحكم المنتهية عسكرياً مع تركيز القوات العراقيّة على فلول التنظيم الإرهابي في المدينة العراقيّة الذي يتراوح ما بين 100 عنصر و300 وفي روايتي القوى الأمنية العراقيّة، والتحالف الدولي، على التوالي. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال الأبرز، العراق إلى أين؟ وما هو السيناريو المقبل الذي ينتظر الشعب العراقي الجريح منذ الاحتلال الأمريكي في العام 2003؟ وهل هناك نيّة أمريكية لتوريط العراق في مستنقع جديد؟
سيناريوهات عدّة تطرح نفسها على الساحة العراقيّة، وعلى أكثر من صعيد، أمنياً عسكرياً سياسياً واقتصادياً، فالمرحلة المقلبة في حال تحقّق الاستقرارين الأمني والعسكري تستوجب نهضة اقتصاديّة للشعب العراقي تمسح غبار عقد ونصف من الحرب التي بدأت مع الاحتلال الأمريكي للعراق، وتطوي وشاح السنين العجاف التي وصلت إلى ذروتها مع احتلال التنظيم الإرهابي الأبرز لمناطق واسعة من البلاد. هذه المرحلة تستوجب التعاون الوطني التام، إضافةً إلى تفعيل أجهزة مكافحة الفساد في الداخل، لأن العدو فشل في البقاء عسكرياً قد يحاول الدخول عبر البوابة الاقتصادية.
لا يمكن مقاربة مستقبل العراق، اليوم، دون الآخذ بعين الاعتبار ثلاثة أطراف: الحشد الشعبي، أمريكا والأكراد.
ولعل استثناء داعش من واقع المقاربة السياسية بسبب خسارته لوجوده في الموصل، العقل الرئيس له على الأراض العراقية، رغم أنّ عناصر داعش المحاصرين ييدون مقاومة شرسة، لاسيّما في ظل محاصرتهم في قبل القوات العراقية، قطع طرق الامداد، ومنعهم من الانتقال إلى أرض خلافة أخرى.
الحشد الشعبي: نجح الحشد الشعبي في تحرير الموصل رغم كافّة المعارضات السابقة، ليُشكّل رصيداً وطنياً ضخماً يحاول البعض اليوم التفريط به غير آبهين بأي سيناريو مشابه لسيناريو الموصل في العام 2014. الحشد سيكون اليوم أمام استراحة محارب، لأن أي معركة تُفرض عليه من قبل واشنطن سواءً في التكفيريين أو مع الأكراد ستكون نتائجها مشابهة لمعركة الموصل، وهذا ما لا تريده الإدارة الأمريكية. تدرك أمريكا أن الحشد الشعبي أشبه اليوم بدومينو الانتصارات الذي سيهدم كل ما يعترضه، لذلك لابدّ من إيقافه، ورسم الميدان وفق أسس جديدة لا تسمح لدومينو الحشد بكسر كافّة الأحجار أمامه.
الأكراد: لعل الملف الكردي اليوم أحد أبرز المتغيّرات التي ينتظرها العراق، في ظل إصرار إدارة الإقليم المنتهية ولايته على إجراء الاستفتاء. هناك قناعة كرديّة تامّة، من قبل مسعود البارزاني، بالاستقلال دون الاهتمام بمواقف دول الجوار، بخلاف جلال الطالباني الذي يولي أهمية لمواقف هذه الدول. حتى أن واشنطن تقول أن توقيت الانفصال غير مناسب، ليس كُرهاً بالأكراد، ولا حبّاً بهم، بل بسبب مصالحها في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والعراق على وجه الخصوص.
أمريكا: فيما يخصّ المقاربة الأمريكية تجاه العراق، يمكن الانطلاق من كلام، جيمس جيفري، الكاتب الأمريكي المخضرم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والسفير الأمريكي لدى تركيا (2008-2010) والعراق (2010-2012) وهي المرحلة التي شهدت الانسحاب الأمريكي من البلاد، الذي لخّص في مقال له في صحيفة “وول ستريت جورنال” الاستراتيجية الأمريكية في العراق.
جيفري رسم في مقاله الذي نُشر قبل شهرين تقريباً، الخطوط العريضة للاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق، داعياً واشنطن إلى تعميق تعاونها مع بغداد بموجب “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” التي أُبرمت بين الولايات المتحدة والعراق عام 2008.
تحدّث جيفري عن جملة من التفاصيل التكتيكية تتعلّق بتفاصيل القوّة العسكريّة الأمريكية التي من المرجّح أن تصل إلى5,000 جندي، كما كان متوخّى في عام 2011، إضافةً إلى مطالبة واشنطن بالحصول على حصانة قانونية للجنود الأمريكيين تكون معتمدة من قبل البرلمان. اليوم وبعد سقوط ورقة داعش من يد واشنطن، قد تلوّح الإدارة الامريكية بورقتين لا ثالث لهما. الورقة الاقتصاديّة التي تصل إلى حد فرض العقوبات، ولعل انتصار ترامب الأخير في قرار الهجرة، من ضمنها العراق، يصب في السياق نفسه. أي أن الحكومة العراقية في حال أرادت الحصول على “فيتو” من ترامب، والخروج من القائمة السوداء لتجنيد الأطفال أو…، لا بدّ لها من تقديم جملة من التنازلات للجانب الامريكي، وفي مقدّمتها القواعد العسكريّة الأمريكية.
قد يتساءل البعض لماذا كل هذا الاهتمام الأمريكي بالعراق. يجيب جيفري نفسه على هذا السؤال بالقول: قرار استقرار المنطقة برمتها يتوقّف على اتخاذ العراق القرار الصائب. ولكن هذا الاستقرار لا يكون بالاحتلال الأمريكي أ و الداعشي، بل بقوّة العراقيين وبأسهم الذي نشاهد بعضاً منه على الشاشات الإعلامية في الساعات الأخيرة لمعركة الموصل.
المصدر / الوقت