دراسة انتقال تنظيم داعش الى أفغانستان
المثل البريطاني “فرق تسد” كان سياسة بريطانية مكشوفة على مستوى العالم؛ إلا أن الامبريالية الأمريكية أضافت الى هذا المثل البريطاني جملة: ازرع ازمة مسيطر عليها وأحصد مصالحك!
عمل الامريكان بهذا المثل منذ أن بدأوا باتباع السياسات الامبريالية. حينا في تشيلي وحينا في العراق واحيانا في سوريا، وربما حان الآن دور أفغانستان. وعلى الرغم من انهم لم يعلنوا أبدا عن هذه السياسة، تمسكوا بالتدخل في شؤون الدول حول العالم رافعين شعار نشر الديمقراطية، إلا أن الشيء الوحيد الذي لم ينشروه هو الديمقراطية.
والسبب في ذلك واضح: كلما سمحت أمريكا بشيوع الديمقراطية واحترام رأي الشعب، ظهرت حكومة تطالب بالاكتفاء الذاتي سياسيا واقتصاديا، وفي بعض الأحيان ظهرت حكومات معارضة للاستكبار العالمي، وهذا ما لا تطيقه أمريكا أبدا.
من هذا المنطلق، زرعت امريكا أزمات مؤقتة، مسيطر عليها وفي بعض الاحيان مبنية على الجماعات الارهابية لتلعب هي دور الملاك المنقذ وحارس نشر الديمقراطية. بالطبع بعد دخول الامريكان لا تنتهي الاعمال الارهابية بل تستمر في مختلف أنحاء البلاد مما يمنح الامريكان مبررا لنشر قواتهم هناك.
على الرغم من كل ذلك، فإن الأمر الواضح في المنطقة حاليا هو أن الارهاب المسيطر عليه امريكيا وعربيا –أي تنظيم داعش- يمضي نحو الزوال. ويلفظ داعش أنفاسه الاخيرة في العراق بصورة خاصة، وهذا أمر لا ترحب به الولايات المتحدة. فمن جهة أصبح لمحور المقاومة اليد العليا في ساحة الحرب وهي تحرر النقاط المختلفة في المنطقة الواحدة تلوالأخرى. ومن ناحية أخرى، فإن موقف محور المقاومة أقوى بالنظر الى تفوقه ميدانيا وبالنتيجة لا يستطيع المحور الغربي العربي تحقيق مساعيه، فيحاول تمديد المفاوضات.
وفي هذا الخضم يبدو أن لامريكا خطة جديدة وإنها تنوي الاستمرار بالاحتفاظ بالارهاب المسيطر عليه في منطقة مستقرة. وبالنظر الى المصادر المعلوماتية المختلفة، فإن داعش يتفاوض حاليا مع الجماعات الارهابية الأخرى، للتنسيق معها من أجل تهديد مناطق في الشرق الاوسط، آسيا الوسطى وجنوب روسيا، وفي هذا الصدد يبدو أن أفغانستان هي الاكثر عرضة للتهديد في هذه المناطق.
وشهدت أفغانستان في الأشهر الماضية أخبارا مثيرة للعجب، فمن جهة سيطرت جماعة داعش على كهوف “تورا بورا” المعروفة. ومن جهة أخرى توعد أحد متزعمي داعش في افغانستان، ابو عمر الخرساني، بانتزاع مناطق جديدة من سيطرة القوات الأمنية وجماعة طالبان. ان عدد أفراد تنظيم داعش في أفغانستان بمفردها يبلغ 3 الى 4 آلاف مقاتل، وبالنظر الى مساعيهم من أجل ضم منظمات ارهابية أخرى خاصة تلك التي لها قواعد في بلدان الاتحاد السوفيتي السابق وبصورة خاصة في آسيا الوسطى وروسيا، فإن التنظيم يُعد تهديدا حقيقيا لسلطة الرؤساء الحاليين لهذه البلدان.
بالإضافة الى ذلك، فإن نشر قوات امريكية جديدة في أفغانستان بالإضافة الى 8 آلاف جندي موجودين هناك، يشير الى تصاعد الأزمة في الشرق الادنى. وفي هذا المجال كتب الخبير السياسي الروسي، فيكتور بارسوف: بالنظر الى ما نشرته وكالة أسوشيتد برس، فإنه رغم ما صرح به دونالد ترامب حول انسحاب جيش الولايات المتحدة من أفغانستان خلال السباق الرئاسي، فإن عديد القوات الأمريكية هناك قد يزاد بنسبة 50% وقد منح الرئيس الامريكي جنرالاته الاذن بتحديد احتياجاتهم العسكرية من اجل مواجهة طالبان وداعش.
إن هذه المعلومات تؤكد صحة المعلومات التي تشير الى خطة الجماعات المتطرفة لنقل مركز ثقل عملياتها الارهابية الى أفغانستان التي قسمتها الجماعات الارهابية الى اجزاء، وهذا يتيح لهذه الجماعات العمل بـ “الارهاب المسيطر عليه”. ويعلم المخططون الاستراتيجيون الغربيون جيدا أن دول آسيا الوسطى أرضية رخوة تساعد على نفوذ عناصر تنظيم داعش ومن ثم توجيههم نحو إيران والهند.
وتتمتع أفغانستان بمزايا مختلفة في هذا المجال؛ من ناحية تعد الظروف الفكرية، الثقافية والاقتصادية مناسبة من اجل التجنيد في هذه المنطقة، ولذلك سيكون من السهل على داعش زيادة عديد قواته. ومن ناحية أخرى لا توجد قيود قومية مثل الأكراد، الأتراك والعرب، ومن الممكن تشكيل مليشيات بسهولة. لذلك فإن وقوع افغانستان بجانب إيران سيسهل مهمة داعش في توجيه الضربات لإيران، حيث أن داعش كان يحتاج سابقا الى العبور من سوريا او العراق للوصول الى المناطق الحدودية الإيرانية.
وفي الآن ذاته تجاور أفغانستان الصين من جهة الشرق، وبهذا يمكن نقل تهديدات داعش الى الصين بسهولة، وبالتزامن مع ذلك يجب ألا نغفل عن وجود 2 الى 3 آلاف مقاتل داعشي في الحدود الأفغانية التركمانية ويمكنهم بسهولة التسرب الى غرب كازاخستان ومن ثم الى الأراضي الروسية.
ونتيجة لهذا تعد العلاقات الوثيقة بين روسيا، الصين وإيران امرا لا بد منه من اجل مواجهة مخاطر انتقال تنظيم داعش من سوريا الى أفغانستان. وهي علاقات أقيمت سابقا ضمن اطار اتفاقيات مثل معاهدة شنغهاي وتعززت في مواضيع مثل الملف النووي الإيراني. بخلاف ذلك أو إذا لم يُلتفت الى الأمر ولم يتم اتخاذ الخطوات اللازمة في الوقت المناسب، من الممكن أن تواجه المنطقة ازمة عميقة، متجذرة وواسعة النطاق، مما يكبدها خسائر بشرية ومادية كبيرة.
المصدر / الوقت