التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

أمريكا تتراجع في سوريا: إذعان للواقع أم خدعة جديدة؟ 

على بعد أيّام من قمّة العشرين واللقاء المرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، برز موقف أمريكي جديد رمى من خلاله وزير الخارجية ريكس تيلرسون كرة الأزمة السورية في الملعب الروسي.

صحيفة الفورين بولسي الأمريكية نقلت عن ثلاثة مصادر دبلوماسية قولها إن وزير الخارجية الأمريكي قال للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، خلال اجتماع نظّمته وزارة الخارجية الأسبوع الماضي، إن مصير الرئيس السوري بشار الأسد حالياً في أيدي الروس، وإن أولوية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالياً تقتصر على هزيمة تنظيم داعش، وفق الصحيفة.

التصريحات الأمريكية تميط اللثام عن رؤية أمريكية جديدة، قد يوعزها البعض إلى الخلافات بين البيت الأبيض والخارجيّة من جهة والبنتاغون من جهة أخرى، إلا أنّها تثبت تخبّطاً أو تسليماً أمريكياً بواقع الميدان السوري.

الموقف الجديد يأتي بعد 3 أشهر من إطلاق تيلرسون تصريحات مختلفة تماماً قال فيها إن الأسد يجب أن يرحل عن السلطة لأنه استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، ليقول وفق تقرير “فورين بوليسي” إن “ما سيحدث للأسد هو شأن روسي ولا علاقة للحكومة الأمريكية به، مضيفاً: “واشنطن سترد على التهديد الإرهابي، ومسألة بقاء الأسد أو رحيله” لم تعد أمراً مهماً لها.

يشير كلام تيلرسون، وفق “فورين بولسي” إلى أن الإدارة الأمريكية تعطي المزيد للروس في الملف السوري لدرجة السماح لهم بقيادة العملية في سوريا، ويعكس اعترافاً بأن الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران، آخذة في الظهور باعتبارها المنتصر المحتمل في الحرب السورية، وفق الصحيفة الأمريكية.

ربّما يغيّر تيلرسون موقفه بعد 3 أشهر، وربّما يبقى على حاله، وفي كلتا الحالتين لا يمكن التعويل على الموقف الأمريكي أبداً استناداً إلى عشرات وربّما مئات المواقف السابقة في مختلف القضايا العالميّة، لكنّه يشير في الوقت عينه إلى تراجع أو إذعان أمريكي لوقائع الميدان السوري. لم تكن أمريكا لتغيّر موقفها لولا الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه بدءاً من معركة حلب الكبرى مروراً بالبادية إلى التنف وليس انتهاءً بالمعارك الجارية نحو دير الزور.

على الصعيد السياسي، يأتي كلام تيلرسون الذي يعدّ تراجعاً عن بيان جنيف الموقع عام 2012، والذي دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية في سوريا يرحل الرئيس الأسد بموجبها، يأتي على بعد أيّام من انعقاد أول لقاء سيجمع ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ نهاية هذا الأسبوع.

وأمّا على الصعيد العسكري، فيأتي الكلام الأمريكي بعد فشل مشروع، أو مشاريع، إسقاط الرئيس الأسد طيلة السنوات الستّ الماضية من حقبة أوباما إلى ترامب، مقابل إثبات سوريا وحلفائها وفي مقدّمتهم إيران صلابتهم في الميدان السوري، ونجاح طهران بعد زيارة اللواء قاسم سليماني إلى موسكو في جرّ الأخيرة للدخول بشكل مباشر في الميدان السوري. موسكو التي نجحت في الحفاظ على أبرز قواعدها خارج الجمهوريات الروسيّة، وجّهت تحذيراً قاسياً لواشنطن خلال الأيام الماضية بعد تهديد الأخيرة باستهداف الجيش السوري، لتتراجع لاحقاً عن ذرائعها الكيمائية، لاسيّما أنّ دمشق قد خاطبت واشنطن مؤخراً بأن “أيّ رد فعل على أي اعتداء لن يكون كالسابق”.

باختصار شديد، يستند كلام تيلرسون إلى حقائق الميدان، أي أن واشنطن أذعنت لعدم قدرتها على قلب الموازين السوريّة بما يصبّ في صالحها، لذلك عمدت إلى الموقف الأخير بغية إيجاد تفاهمات بين ترامب وبوتين خلال قمّة العشرين، واستثمار هذا الموقف سياسياً إلى أبعد الحدود. ولكن ترامب نفسه الذي أقرّ ببقاء الأسد، عمد بعد ثلاثة أيام إلى تنفيذ ضربة مطار الشعيرات تحت ذريعة الأسلحة الكيميائية. وبالتالي، فإنّ موسكو التي وقعت في الفخّ الأمريكي خلال التفاهمات السابقة، لن تقع في الفخ الأمريكي مجدّداً، لاسيّما أن وقوفها إلى جانب سوريا وإيران انعكس بشكل إيجابي كبير على الدور الروسي على الصعيد الإقليمي والدولي. ما يعزّز هذه الرؤية هو النفوذ الصهيوني في البيت الأبيض، الأمر الذي يدفع بسوريا وحلفائها إلى النظر بعين الريبة لأي موقف أمريكي تجاه منطقة الشرق الأوسط كونه يصبّ في المصلحة الإسرائيلية، التي كانت ولا تزال على النقيض من المصلحة السورية، ومصلحة محور المقاومة بشكل عام.

لم تكن واشنطن لتعلن هذا الموقف في حال كانت وقائع الميدان مخالفة. اليوم، وبعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي وتخبّط الجماعات التكفيرية فيما بينها بسبب صراع المصالح الإقليمي القائم بين تركيا وقطر من جهة والسعودية من جهة أخرى، لم تعد تمتلك سوى الأكراد غير القادرين على تغيير المعادلات في الميدان السوري بما يسمح لواشنطن بفرض شروطها. الأكراد ورغم خبراتهم العسكرية وتسليحهم الأمريكي، يعانون الأمريّن مع داعش، فكيف إذا ما دخلت تركيا على خطّ المواجهة. هذه المواجهة باتت قطعية، إلا أن الخلاف اليوم على توقيتها لا أكثر حيث أكّدث أنقرة، وعلى أكثر من صعيد، نيّتها دخول عفرين عبر عملية سيف الفرات.

أمريكا هي أكثر الأطراف مكبّلة اليدين اليوم في سوريا، قد يخالفنا البعض في هذه الرؤية ولكن لنترك الزمن ليثبت صوابيّة هذه الرؤية من عدمها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق