السيناريوهات السياسية المحتملة لكيفية إدارة الموصل بعد مرحلة “داعش”
بعد تحرير مدينة الموصل العراقية من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي بدأت التساؤلات تثار بشأن السيناريوهات المحتملة لكيفية إدارة هذه المدينة من الناحيتين السياسية والإدارية في المرحلة القادمة.
ويحظى هذا الملف بأهمية خاصة لدى جميع المكوّنات السياسية العراقية ومراكز القرار في البلد نظراً للتنوع القومي والديني لأبناء هذه المدينة التي تضم كافّة أطياف الشعب العراقي من السنّة والشيعة والمسيحيين والعرب والأكراد والتركمان والإيزديين والشبك وغيرهم من الطوائف.
وبالنظر للظروف الديموغرافية والعوامل الجغرافية التي تحكم هذه المدينة يبدو أن هناك أربعة سيناريوهات لكيفية إدارة هذه المدينة بعد مرحلة “داعش” يمكن إجمالها بما يلي:
السيناريو الأول: أن يتم تقسيم المدينة إلى 4 أو 5 مقاطعات أو مناطق إدارية على أساس الأغلبية العرقية أو الدينية لسكّانها، بحيث يكون وسط المدينة خاصاً بالسنّة باعتباره يضم الأغلبية العربية السنيّة، فيما تكون المنطقة الشرقية والتي مركزها قضاء “مخمور” خاصة بالأكراد لقربها من إقليم كردستان العراق، والمنطقة الغربية الشمالية ومركزها قضاء “تلعفر” خاصة بالعرب والتركمان الشيعة، والغربية الوسطى ومركزها قضاء “سنجار” خاصة بالإيزديين، فيما تكون منطقة سهل نينوى الواقعة شمال الموصل والتي تتألف من ثلاثة أقضية هي “الحمدانية والشيخان وتلكيف” خاصة بالمسيحيين.
ويبدو أن المحافل السياسية الغربية تميل إلى حد ما لتطبيق هذا السيناريو خصوصاً وأن المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب “بريت ماكجوريك” كان قد تحدث قبل بضعة أشهر عن تقسيم الموصل إلى 8 مقاطعات أو وحدات إدارية دون تحديد أو تسمية هذه المقاطعات. ولكن هذا السيناريو باعتقاد معظم المراقبين يواجه عقبات أساسية بينها رفض الحكومة العراقية المركزية لمثل هذا التقسيم، والتداخل الجغرافي والديموغرافي للمكوّنات السكّانية وصعوبة التوزيع العادل للثروات الطبيعية والاقتصادية بين الوحدات الإدارية (المقاطعات)، ولهذا يرجح المراقبون عدم إمكانية نجاح هذا السيناريو على أرض الواقع.
السيناريو الثاني: أن يتم تحويل الموصل والمناطق المحيطة بها والتي تشكل بمجموعها محافظة نينوى إلى إقليم سنّي وبصلاحيات واسعة على غرار إقليم كردستان باعتبار أن غالبية سكّانها هم من العرب السنّة. وهذا السيناريو من شأنه أن يحفظ النسيج الاجتماعي لهذه المحافظة لكنه سيواجه مشكلة محتملة وهي إمكانية عدم دعمه من قبل الحكومة العراقية المركزية التي لا ترغب في فقدان الإدارة السياسية لواحدة من أهم محافظات البلد والتي تأتي بالمرتبة الثانية من حيث التعداد السكّاني بعد العاصمة بغداد. بالإضافة إلى ذلك فإن هناك احتمالاً كبيراً بعدم موافقة المكوّنات العرقية والدينية الأخرى على تشكيل هذا الإقليم لخشيتها من إمكانية هيمنة السنّة على مقدرات المحافظة وتهميش هذه المكوّنات في المستقبل.
إلى جانب ذلك هناك عدم توافق بين قادة المكوّن السنّي بشأن تشكيل الإقليم السنّي في الموصل والمناطق القريبة منها خصوصاً بين الجناح الذي يمثله أسامة النجيفي – أحد نوّاب الرئيس العراقي – والجناح الآخر الذي يمثله رئيس البرلمان سليم الجبوري، فالأول يصر على ضرورة تشكيل مثل هذا الإقليم بينما يرفضه الثاني بشدة. وهذا الاختلاف من شأنه أن يعرقل إلى حد كبير تحقق هذا السيناريو لاسيّما وأن الأطراف الإقليمية التي تدعم النجيفي والجبوري تمر بحالة انشقاق واضح على خلفية الأزمة الحالية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى.
السيناريو الثالث: تجزئة العراق إلى أقاليم “سنيّة وشيعية وكردية”، وضم محافظات الأنبار وصلاح الدين إلى نينوى لتشكيل الإقليم السنّي. وإمكانية نجاح هذا السيناريو ضئيلة جداً نظراً للظروف السياسية والأمنية المعقدة التي يمر بها العراق في الوقت الحاضر.
فهذا السيناريو يواجه عقبات كثيرة من بينها رفض الحكومة المركزية وخشية الكثير من السنّة والمكوّنات الأخرى في نينوى من تكرار ما حصل من مآسٍ وكوارث بشرية ومادية أثناء احتلال تنظيم “داعش” الإرهابي لمناطقهم نتيجة إخفاق المسؤولين السابقين في هذه المحافظة بالدفاع عن هذه المناطق.
السيناريو الرابع: استمرار الوضع في الموصل وعموم نينوى على ما هو عليه الآن، أي أن تبقى المحافظة مرتبطة إداريا بالحكومة المركزية في بغداد. وهذا الاحتمال هو الراجح لدى أكثر المراقبين في الوقت الحاضر نظراً للظروف السياسية والأمنية والاقتصادية المعقدة والصعبة التي يمر بها العراق. وما يعزز هذا الاعتقاد هو التصريحات التي أطلقها الكثير من المسؤولين العراقيين بهذا الخصوص بما فيهم ممثلو المكوّن السنّي، وكذلك تشجيع الحكومة المركزية على ضرورة تبني هذا السيناريو باعتباره يضمن وحدة وسلامة العراق أرضاً وشعباً في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها البلد الذي عانى كثيراً من الإرهاب والتشرذم السياسي طيلة السنوات الماضية وحتى الآن.
المصدر / الوقت