في ذكرى العدوان على غزة.. كيف سقطت الأسطورة وبدأ زمن محور المقاومة؟
حاول الكيان الإسرائيلي ومن خلفه قوى دولية داعمة له التسويق لمفهوم الكيان الأسطورة والجيش الذي لا يُقهر، وبالفعل تمكن هذا الكيان من تحقيق هذا الهدف وإقناع أوساط سياسية مهمة وشريحة شعبية واسعة بهذا الأمر وخاصة في عالمنا العربي.
اليوم وبعد مضي حدود ستة عقود على تأسيس هذا الكيان بدأت هذه الصورة بالتزلزل، لينسحب مكانها صورة إسرائيل العاجزة عن كسر إرادة وصمود أبطال المقاومة اللبنانية والفلسطينية في إشارة تؤكد اقتراب رواية الأسطورة من خواتيمها.
معالم سقوط الأسطورة
هذه الرواية المشؤومة بدأت رموزها وأسسها بالتفكك منذ حرب تموز 2006 على جنوب لبنان، لتستمر بالتهاوي على اثر الضربات الموجعة التي وجهها أبطال فصائل المقاومة في قطاع غزة الفلسطيني للإسرائيليين إبان الحروب الثلاثة التي شنها الكيان والتي كان آخرها عدوان الخمسين يوما الذي أنهى مع انتهائه أسطورة إسرائيل التي لا تُقهر إلى ما لا نهاية.
هي عملية انقلاب السحر على الساحر، فبدل أن يتمكن الكيان من استرجاع هيبته كان ينزلق مجددا إلى الهاوية بعد كل عدوان، وفي مراجعة لحرب الخمسين يوما التي يصادف البارحة 8 تموز يوليو الذكرى الثالثة لبدايتها يمكن قراءة الكثير من المعطيات التي تؤكد وبشكل لا لبس فيه أن الأسطورة قد سقطت مع انتهاء العدوان بتاريخ 26 آب أغسطس 2014م دون تحقيق أي من الأهداف المعلنة للكيان والمتمثلة بنزع سلاح المقاومة واحتلال غزة ومنع إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة.
في عدوان 2014 على غزة سقط أكثر من 2200 شهيد فلسطيني بينهم أكثر من 550 طفل، وأعداد الجرحى وصلت إلى ما لا يقل عن 11 ألف جريح ولكن رغم الجراحات والدمار الهائل الذي سببته الحرب لم يتمكن الاحتلال من إيجاد شرخ وسط الشعب الفلسطيني الذي أثبت بصموده أنه بات لا يخشى آلة الحرب والدمار، وهذا العدوان سبقه عدوانين الأول عام 2009 استمر لـ22 يوما والثاني عام 2012 استمر لثمانية أيام، هذه الحروب الثلاث كانت وبالا على الكيان الإسرائيلي، وبالنظر إلى مستوى الصمود الشعبي المنقطع النظير يتأكد ومن دون شك على أن عملية كي الوعي العربي الذي تمّ منذ عقود قد ولى أثره بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي بات يؤمن بقدرته على الصمود وهزم الاحتلال وصولا لدحره عن كل فلسطين.
إذن حروب ثلاثة كانت محصلتها إضعاف قدرة الردع الإسرائيلية من جهة، ومن جهة أخرى بات الحديث داخل بيت العنكبوت عن جدوى هذه الحروب وخاصة بعد الحرب الثالثة، وبالفعل تم تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في أسباب الهزيمة مع غزة ولا زالت أصداء الخلافات داخل الأجنحة السياسية بارزة إلى اليوم في الحياة السياسية للكيان. هذا الأمر إن دلّ على شيئ فإنه يدل على أن القدرة في التحكم بالوضع الداخلي وضبط اللعبة السياسية بات صعبا جدا بسبب الهزيمة المُرّة التي أوقعتها المقاومة الفلسطينية في كيان هو وكما عبر عنه السيد حسن نصر الله “أوهن من بيت العنكبوت”.
سقوط المشروع الأمريكي الإسرائيلي لضرب محور المقاومة
نصر المقاومة في غزة قضى أيضا على أحد ركني المشروع الأمريكي الصهيوني، حيث أن هذا المشروع كان يعتمد على لاعبين أساسيين، الأول إسرائيل في ضرب محور المقاومة انطلاقا من غزة ومن ثم لبنان. والثاني التنظيمات الإرهابية المتطرفة ومن ضمنها داعش الذي أوكل إليه ضرب سوريا التي كانت ولا زالت عرين المقاومة وقلبها النابض.
حرب الخمسين يوما على غزة قضت على الركن الأول إلى غير رجعة، والدليل أن البحث اليوم في الداخل الإسرائيلي يتناول أصل وجدوى الخوض في حرب جديدة حتما خاسرة بنظرهم. أما الركن الثاني فقد أثبت الميدان السوري أن التنظيمات الإرهابية المسلحة أضعف من أن تحقق ما عجزت عنه إسرائيل، والأمور وصلت إلى مرحلة وجد الأمريكي نفسه مضطرا للتدخل مباشرة لتعديل جزأ من مجريات الأمور والسعي للإبقاء على موطئ قدم له وللجماعات التي يدعمها على الأراضي السورية.
إذا ومن خلال جمع الصورة بشكل كامل، والأخذ بعين الاعتبار انكسار المشروع الإسرائيلي في غزة وسقوط الأسطورة ذهنيا من عقول الشعوب العربية وعمليا في الميدان العسكري، والتقدم الذي يحققه محور المقاومة على محاور قتال الإرهاب إن في العراق أو سوريا (وحتى لبنان) يمكن استقراء أمر واحد في المستقبل القريب وهو بداية عصر محور المقاومة وعمليا ولادة “شرق أوسط جديد يتمحور حول قدرات الأمة لتحقيق المصلحة المشتركة للجميع”.
المصدر / الوقت