القوات العراقية على مشارف تلعفر
بعد تسع أشهر على بدء العمليات في الموصل الاستراتيجية، سيطرت القوات العراقية على المدينة بشكل كامل، ليكتب المحللون والمراقبون عن انتهاء تنظيم داعش.
تزامن ذلك مع توافق بين الأطياف العراقية المختلفة للإستفادة من تجارب الماضي بغية بناء المستقبل، في روحية تساعد القوات المسلحة في العراق على القضاء على تواجد داعش بالكامل، وإخراج ما تبقى من مقاتليه من مدينة تلعفر.
عمل العراق على تحرير أراضيه من التنظيم من الفلوجة حتى الموصل، معطيا بذلك خبرة عالية لقواته المسلحة. أراضٍ استولى عليها داعش بسهولة، فقد سقطت الموصل دون أي مقاومة، وفي حزيران من العام 2014 في مدة لم تتجاوز الثلاثة أيام، سيطر داعش على 108 ألف كيلومتر، أي ما يقارب 40 بالمئة من مساحة العراق بأكمله، ووصل إلى مشارف بغداد.
في البداية لم يكن لدى الدولة العراقية قوات لمواجهة داعش، وعندما أحست بالخطر واقترب التنظيم من مشارف بغداد، اعلن السيد السيستاني عن فتواه المشهورة، وتشكلت قوات الحشد الشعبي التي أعطت روحية جديدة للعراقيين لمواجهة داعش، ودقت أول إسفين في نعشه.
فبدأت العمليات المدروسة والمنظمة، وبعد أقل من 20 يوما استعاد العراق السيطرة على المحور الممتد من بغداد إلى سامراء، والذي كان بداية لتطهير مناطق عديدة من محافطة صلاح الدين. وبعد التعاون بين القوات المسلحة جمعاء، بدأت المدن العراقية تتحرر واحدة تلة الأخرى، حتى تمت السيطرة على محافظة ديالى في 25 كانون الثاني 2015، والرمادي في 28 كانون الأول 2015، تبعها تحرير الفلوجة في 26 حزيران 2016، وبعدها وصلت إنجازات القوات المسلحة العراقية إلى تحرير الموصل في الأيام الماضية. وقد أعلن رئيس الوزراء العراقي بدأ عمليات تحرير تلعفر غرب الموصل، والحويجة جنوب غرب كركوك وبعض المناطق الأخرى شمال غرب الأنبار.
مدينة تلعفر ذات أهمية استراتيجية، عسكرية، سياسية وتاريخية، وتعد أكبر مدينة على الأراضي العراقية وهي تربط الموصل بالمناطق الحدودية السورية. وهي تقع في منطقة وسطية بين العراق وتركيا وسوريا، فهي تبعد عن تركيا والحدود السورية حوالي 60 كلم فقط، وبالتالي تعتبر حلقة الوصل بين الدول الثلاثة.
ووفقا لإحصاء العام 2012 كان عدد سكان المدينة يبلغ حوالي 300 ألف شخص، غالبيتهم من التركمان الشيعة، ويأتي بعدهم التركمان السنة، والبقية هم من الأكراد والعرب.
وللمدينة أيضا مكان لامع في تاريخ العراق، من الاحتلال البريطاني وحتى الاحتلال الأمريكي وإسقاط النظام البعثي عام 2003.
في حزيران من العام 2014، سقطت تلعفر بيد داعش، ونظرا للأهمية التي تمتلكها هذه المنطقة، سرعان ما تحولت إلى واحدة من أهم قواعد التنظيم في محافظة نينوى وفي العراق بشكل عام. مما أدى إلى هجرة نصف سكان المدينة إلى مختلف مناطق العراق، وقد كانت الهجومات الأمريكية المتكررة عاملا مهما في ذلك أيضا.
بناءا على ما تقدم، تحظى تلعفر بأهمية كبرى تتطلع إليها جميع الأطراف المشاركة في تحرير الموصل، والتي تعلم أن تحريرها سيقطع الطريق أمام داعش في الرقة السورية، وبالتالي سيخسر التنظيم أي أمل بالتحرك بين البلدين. ويجدر الذكر أن جيران العراق، كتركيا وسوريا يتابعون عن كثب ما يحصل في المدينة، ويرون في تحريرها أهمية كبيرة للمنطقة.
من ناحية أخرى، يساعد تحرير تلعفر محور المقاومة بشكل مهم، فهو يمكنه من الدخول إلى سوريا من الجانب العراقي، والوصول إلى دير الزور المحاصرة والرقة وبعض المناطق في الداخل السوري قبل أي جهة أخرى.
اللافت أن ما تبقى من تنظيم داعش في العراق ليس سوى بعض المجموعات الضعيفة التي لن تصمد أمام عزم القوات العراقية التي أخذت قرارها بتطهير البلاد من آثار داعش.
في الختام، يمكن القول أن داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة في العراق، وحتى لو شهدنا بعض الأعمال الانتحارية المخلة بالأمن سيكون بإمكان القوات الأمنية العراقية مواجهة ذلك، وستسيطر على كل شبر من بلادها، مسطرة انتصارا سيكتبه التاريخ في سجلها.
المصدر / الوقت