التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

في كرنفال ميساني بهيج 

عبدالرضا الساعدي
عشب باذخ في خضرته ، وكرة رشيقة تتدحرج بلهفة بين أنظار المحتفلين ،قبل أقدام اللاعبين ، لتستيقظ المدينة وتنهض ثانية كالعنقاء من بين أطلال الحروب والثكنات العسكرية واللون الكاكي السائد في تلك الحقبة المأساوية الديكتاتورية ، ومن بين ركام الصبر والانتظار والتضحيات الهائلة المعطاء لأبناء البلد عموما وهذه المدينة الكريمة بشكل خاص ، وللعشق الدائم الذي يزرعه أبناؤها للرياضة ولكرة القدم
، ينبثق هذا العشب الطري الباذخ في خضرته ، من دماء الشهداء والجرحى والمضحين الأبطال الكرام الذين دافعوا عن أرض العراق وهم يسحقون موجات الشر والإرهاب كي يعود البلد معافى ويبقى في تواصل مع الحياة والجمال والسلام ، وينبثق كرنفال للبهجة ترسمه لوحة ملعب ميسان الدولي الذي أفتتح مؤخرا في مدينة الماء والخصب والكرم والإبداع _ العمارة_ ميسان التاريخ والحضارة والعطاء..
هكذا استيقظت المدينة حتى الصباح في ليلة كسرت فيها نمط الليالي السالفة ، وتحت الأضواء الكاشفة كانت الأيدي والصيحات الجماهيرية المحتفلة ترتفع مبتهجة مع رايات الوطن المنتصرة على الدواعش الظلاميين ، كان بمثابة نصر للحياة ضد الموت ، للنور ضد الظلام ،
نساء وأطفال وشيوخ وأبطال مضحين من ذوي الاحتياجات الخاصة ، فنانين ورياضيين ورجال دين من كل الطوائف والأديان ، كلهم رسموا لوحة مضيئة في ملعب كروي جميل يمثل عراقا مصغرا للتآلف والحب والنصر ، لوحة انبعثت فورتها مع ألعاب نارية داعبت أجواء الليل ، مشاكسة بعض هدوئه الرومانسي القديم ، متوهجة ببريق عيون الحاضرين وقلوبهم الصادقة والنقية ، كل شيء هنا حاضر ومتداخل في روعة اللقاء ، في هواء ميسان الود ، في الحماس ، الفخر ، نشوة الإنجاز ، الألوان المتداخلة في تشكيلاتها الطبيعية والفنية ، الهتاف مع الأناشيد مع دموع الفرح واستذكار الراحلين إلى فردوس الخلود .
أكثر من 30 ألف مشاهد في هذا الملعب التحفة وثقوا يوما لا ينسى من الذاكرة ، وهناك من كان خارج الملعب لم يحظ بفرصة تاريخية للدخول ، ربما غضبوا وحزنوا ، ولم يكن خطأهم أبدا، وأنا متعاطف جدا معهم لأنهم كانوا يحملون تذاكر الدخول معهم بحرقة وتمنيات لا توصف للتمتع بهذه الليلة الكرنفالية الجنوبية النادرة.. ولكن لا بأس ، رغم أن هناك من لا يتعلم من التجارب ، وهناك من لا يصحو من سوءاته أو من خرابه وفساده ، مع كل هذا فإنها تجربة مهمة سنتعلم منها في القادم من الأيام ، وسنحتفظ بالأشياء الجميلة كي لا نعكّر صفو مناسبة مصنوعة بجهد الجميع ، جميع أبناء ميسان دون استثناء ، ونطالب أن يحافظ الجميع على هذا الصرح الرياضي الرائع بجماهيره وعشبه وكرته وممتلكاته ، وأن نديم هذه الأجواء البهيجة ونزيح ما أمكن من ستائر الركود والحزن والعتمة التي تحيط بنوافذنا منذ عقود طويلة من الدهر .

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق