عندما تُقابل العقوبات بالعقوبات.. هل ولى الزمن الأمريكي؟
جرت العادة خلال العقدين الماضيين أن تفرض أمريكا ومن يدور في فلكها عقوبات اقتصادية وعسكرية على من تشاء دون أن تلقى جوابا حازما أو ردا قاطعا من قبل المُعاقَبين. والسبب أن النظام السياسي العالمي كان يدور في حلقة معيوبة من القطب الواحد. فروسيا كانت في سباتها القاتل والقوى الإقليمية الأخرى المعادية لأمريكا كانت إما مشغولة في مشاكلها الداخلية أو لا زالت تبني قواها الذاتية.
اليوم يبدو أن هذه المعادلة قد كُسرت، وبات النظام السياسي العالمي الحاكم خارج الحلقة هذه المعيوبة وهذا الأمر واضح في الميدان بملاحظة اللاعبين في الأزمات الدولية، كما أنه يتضح من خلال ملاحظة المحاولات الغربية الأوروبية للخروج من الفلك الأمريكي.
هذا الأمر لم يتلقفه الأمريكي بالشكل الجيد، والدليل إصراره على سياسة العقوبات وحتى لو أتت من جانب واحد ولم يقبل بها حلفاؤه الأوروبيون. من الجيد هنا أن نقرأ بتمعن ردود الأفعال الروسية الإيرانية والكورية الشمالية اتجاه العقوبات الأمريكية الجديدة على هذه الدول مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا الموقف الأوروبي الجدير بالاهتمام من هذه العقوبات.
مشروع العقوبات أقر في مجلس النواب الأمريكي بأكثرية 419 صوتا مقابل 3 أصوات معارضة، وتشمل عقوبات جديدة اقتصادية على قطاع الطاقة الروسي كما يطال الشركات الأوروبية العاملة في هذا المجال، إيرانيا فإنه يستهدف الملف الصاروخي الإيراني ومنظمة الحرس الثوري في سابقة للعقوبات الأمريكية ضد إيران. وأما بالنسبة لكوريا الشمالية فهو يفرض مزيد من الحظر عليها بسبب التجارب الصاروخية البالستية التي تقض مضجع واشنطن.
أما عن ردود الأفعال على هذا القرار فقد جاءت قوية وحازمة من قبل الدول الثلاث المستهدفة، قرار هذه الدول كان واضحا بالمواجهة ويخطو خطوات إلى الأمام في تحدي القرار الأمريكي وهو أمر غير مسبوق أيضا بهذا المستوى. فروسيا أعلنت وعلى لسان مسؤوليها أنها ترفض هذه العقوبات وحاضرة لاتخاذ خطوات لإعادة أعداء روسيا إلى رشدهم. الرئيس الروسي بدوره أكد ومن فنلندا أن هذه العقوبات التي وصفها بالوقحة لن تبقى دون رد معتبرا اياها غير قانونية ومضرة بمصلحة أمريكا نفسها.
طبعا الرئيس بوتين لا يزال يراهن على قدرة ترامب التأثير على مجرى العلاقات بين البلدين، ولكن هذه العقوبات تأتي لتؤكد أن النظام الحاكم في أمريكا لا يمكن أن يسمح لرئيس تحقيق أهداف قد تتعارض معه. فالعقوبات تأتي في وقت يرفض البيت الأبيض التصعيد مع موسكو.
إيرانيا، وبعد جملة الردود الدبلوماسية والسياسية، التي أكدت جميعها على حق إيران في الاستمرار بمشروعها الصاروخي البالستي دون توقف والاجماع الشعبي والرسمي حول الحرس الثوري كقوة رئيسية في البنية الدفاعية للبلاد. تم تجربة صاروخ بالستي (سيمرغ) قادر على حمل أقمار صناعية والإعلان عن تأسيس مركز فضائي باسم الامام الخميني (قده). في رد صاعق على العقوبات التي تستهدف الملف الصاروخي الإيراني بشكل أساسي.
سياسيا أيضا أعلن مجلس الشورى الإسلامي وقوفه في وجه أي محاولات أمريكية لنقض الاتفاق النووي، مؤكدا على ضرورة اتخاذ إجراءات مضادة للعقوبات والقيام بخطوات على قاعدة المعاملة بالمثل.
كوريا الشمالية بدورها استمرت في سياسة التقدم والمواجهة مع الأمريكيين، حيث أنها تعيش مرحلة توتر منذ أشهر على خلفية تجارب صاروخية بالستية تطال الأراضي الأمريكية. الجمعة الفائت أكدت بيونغ مجددا على جهوزيتها لضرب الأراضي الأمريكية بصواريخ نووية من خلال إعادة تجربة صاروخ بالستي يمكن ضربه من على غواصة ويمكن تزويده برأس نووي. في رد صارخ على العقوبات والاستفزاز الأمريكي.
المهم أيضا والذي أتى في سياق ردود الأفعال على العقوبات الجديدة هو الرد الأوروبي على هذه العقوبات. فبرلين أعلنت رفضها لهذه العقوبات وخاصة المتعلقة بالشأن الروسي كما أعلنت المفوضية الأوروربية أنها جاهزة لاتخاذ تدابير مضادة للعقوبات الأمريكية التي لم تأخذ مصالح أوروبا بعين الاعتبار.
الدول الأوروربية الأخرى مستمرة في تعاونها مع روسيا وإيران بغض النظر عن الموقف الأمريكي الرافض. ففرنسا وألمانيا ودول أخرى مصرة على احترام الاتفاق النووي مع إيران وبدأت شركاتها ومنها توتال الفرنسية بالدخول فعليا للاستثمار في حقل الطاقة الإيراني ومجالات أخرى. وكأن هذه الدول باتت تريد التفلت من الفلك الأمريكي والتفتيش على مصالحها التي ستتضرر بسبب السياسات الأمريكية المتهورة.
إذا ولى الزمن الذي يفرض فيه العم سام عقوبات فتتبعه أوروبا، كما ولى الزمن الذي تبقى فيه العقوبات دون رد حازم. هذا الأمر لم يفهمه الأمريكي إلى اليوم، وقد يكون السبب أنه أدرك أن سقف المواجهة لديه باتت العقوبات والحظر وخيار البطش العسكري لم يعد ممكنا لأسباب كثيرة متعلقة بدعم حلفائه له إضافة لقوة أعدائه التي أثبتها ميدان المعارك والأزمات من القرم وصولا إلى سوريا والعراق.
المصدر / الوقت