السياسة الخارجية في عهد ترامب.. أين مركز القرار؟
يكثر الحديث مؤخرا عن التخبط الذي تعيشه السياسة الخارجية الأمريكية وأروقة البيت الأبيض ولأسباب كثيرة، فمنها التغييرات المستمرة في الطاقم المحيط بترامب ومنها عدم التنسيق في المواقف بين الجهات التي لها روابط خارجية كوزارة الدفاع والخارجية، سنحاول في هذا المقال الإضاءة على بعض المعطيات المتعلقة بالموضوع لنصل إلى خلاصات مهمة تتعلق بكيفية إدارة البلاد من قبل ترامب في هذه البرهة من الزمن.
لقد برز بشكل كبير الصراع داخل أروقة البيت الأبيض على صفحات الصحف العالمية، حيث أن حالة من التراشق والصراع العلني تحكم العلاقات فيما بين الطاقم الرئيسي المحيط بترامب. هذا الأمر واضح ولا لبس فيه أما المسألة الأخرى المهمة والتي لم تتناولها الصحافة كما يجب، فهي حالة الفوضى (تحت عنوان إصلاح) التي تعيشها أروقة وزارة الخارجية وهذا ما سندقق في تفاصيله لأهميته كمؤشر في استقراء الخلفية والأسباب وراء هذا الأمر.
فعلى رغم مضي ثمانية أشهر على قدوم دونالد ترامب، لا تزال آلة صناعة الدبلوماسية الخارجية الأمريكية تعاني من أزمة استكمال التعيينات في أكثر من ثلث المناصب المهمة والحساسة. فحسب صحيفة نيويورك تايمز من أصل 113 موقع مهم في الوزارة هناك 48 موقع شاغر إلى الآن، كما أن هناك 29 موقع لا يزال مقربون من فريق أوباما يسيطرون عليها. وهذا الأمر سابقة أمريكيا حيث جرت العادة وبعيد تسلم الرئيس الأمريكي الجديد إجراء جردة تعيينات كاملة تشمل كافة مناصب وزارة الخارجية بما فيها تغيير السفراء في دول العالم. (إلى الآن هناك 71 سفيرا لدول حول العالم لم يتم تعيينهم).
إلى اليوم لم يتم تعيين سكرتير لدوائر حقوق البشر والأمن والديمقراطية في الخارجية، هذا الأمر يؤكد مدى الأزمة التي تعيشها هذه الوزارة. طبعا يحاول بعض موظفي الوزارة المقربين من تيلرسون الإيحاء وكأن هناك عملية إصلاحية لبنية الوزارة تتضمن خفض عدد الموظفين وخفض النفقات والتقليل من البيروقراطية الإدارية وذلك لتحسين الأداء ولكن العالم بحقيقة الأمور يُدرك أن الأمور ليست كذلك، فهذه الاصلاحات لا تأتي بين ليلة وضحاها ولا تكون على حساب الهدف الأصلي لهذه الوزارة وهو العمل الدبلوماسي حول العالم. حيث أن هذا النشاط يعاني من ضعف كبير في الأداء والتأثير.
تذكر الصحيفة أن الكثير من دول العالم اليوم تقوم بالتنسيق مباشرة مع مستشاري ومساعدي تيلرسون والسبب عدم تعيين سفراء ناهيك عن أن هذه الدول أدركت الحالة من الضياع التي تعيشها الدبلوماسية الأمريكية.
هذه الأزمة في حقيقة الأمر بدأت بعد أن عزل ترامب أربعة من كبار موظفي الخارجية في بداية عهده وترك مناصبهم شاغرة. هذا الأمر له أهمية كبيرة في قراءة المشهد كامل، حيث أن ما حصل ويحصل ليس عبثيا بشكل كامل بل مقصود إلى حد ما من قبل ترامب وإدارته التي تريد تعزيز وضع وزارة الدفاع على حساب الخارجية.
حقيقة الأمر أن ترامب ليس مهتما بعمل وزارة الخارجية، وقد يكون غير مقتنع أصلا بضرورة العمل الدبلوماسي الخارجي، وهذا ينعكس بشكل واضح على العلاقات فيما بينه وبين وزير خارجيته ركس تيلرسون، وقد كشفت صحف أجنبية كثيرة بعض تفاصيل الخلافات التي تحكم علاقة الرجلين.
سياسة ترامب ومنذ اليوم الأول كانت واضحة وقد وضعت وزارة الدفاع على رأس الاهتمامات بخصوص الملفات الخارجية. فالسياسة الأمريكية الخارجية تعتمد منذ القديم على وزارتي الدفاع والخارجية في إدارة العلاقات الخارجية. ترامب اليوم جعل من وزارة الخارجية ضعيفة لتتسنى الفرصة للبنتاغون ليكون محور إدارة سياسته الخارجية.
هذا الأمر يؤكد التوجه العسكري الأمني لدى ترامب ويؤكد غلبة نزعة العنف والحلول الغير سلمية على الدبلوماسية والسياسة الناعمة. وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح أيضا على طريقة تعامل ترامب وفريقه مع تركة أوباما فيما يخص ملفات الشرق الأوسط وغرب آسيا.
هذه الطريقة الترامبية في الإقصاء (إضعاف وزارة الخارجية) تنعكس اليوم على فريقه الداخلي في البيت الأبيض، حيث أن حالة من التطرف تحكم وخاصة فيما يخص الملفات التي تتعلق بالكيان الإسرائيلي. اليوم هناك مجموعة من مستشاري ترامب وفريقه المحافظ بدأ علنا يجيش لإخراج مستشار الأمن القومي لدى ترامب ماك ماستر، أما السبب فهو أن الأخير ليس داعما لإسرائيل بالشكل الكافي كما أنه ليس حازما في الموقف من إيران كما يجب وكل ذلك حسب رأيهم. شعارات تؤكد المهزلة الحاكمة في البيت الأبيض والعنجهية التي يحكم فيها ترامب وفريقه.
ختاما، نعم قد تكون هذه النزعة العسكرية الأمنية من قبل ترامب وفريقه سببا لويلات وحروب وأزمات في المنطقة والعالم، ولكنها أيضا مقدمة لفشل أمريكي ولسقوط الاستكبار العالمي الذي تقوده أمريكا إلى غير رجعة.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق