كي لا تسود حالة انعدام القانون داخل المجتمع العراقي
خلال الأعوام الخمسين الماضية عانى الشعب العراقي الكثير من مشقات الحياة، والآن يحتاج إلى ترسيخ الأمن وتحسين سُبل العيش ومتطلبات الرعاية الاجتماعية، هذا في الوقت الذي لا يزال فيه هذا البلد يعاني من الكثير من الأزمات الداخلية. إن هذه الظروف تحتاج إلى أُناس صادقين لديهم الكثير من العزم لحل مشاكل الناس، أُناس لا يسعون وراء تحقيق أهداف شخصية أو جماعية تتسبب في زيادة آلأزمات داخل المجتمع وتفاقم الأوضاع.
قلة من الناس هم الذين لا يعرفون حجم المأساة التي عاشها الشعب العراقي خلال فترة حكم حزب البعث خلال ثلاثة عقود. لقد حولت حكومة صدام الديكتاتورية، حياة الشعب العراقي إلى كابوسا فظيعا. لقد تعرض الكثير من سكان هذا البلد المظلومين للكثير من التعذيب وللقتل على أيدي هذا النظام الظالم. ونتيجة للحرب العبثية التي قام بها حزب البعث في هذا البلد ضد إيران وعدوانه وهجومه على الكويت، فلقد فقد مئات الآلاف من المواطنين العراقيين حياتهم. وبعد الإطاحة بصدام ازداد الوضع سوء ولم يرى الشعب العراقي أي راحة أو استقرار وذلك نتيجة لقيام الأعداء الغربيين والأعداء في المنطقة بدعم ما تبقى من عناصر حزب البعث والإرهابيين وقاموا بإدخالهم إلى العراق. ولقد قدموا الكثير من الدعم المالي والعسكري لتنظيم داعش الإرهابي الذي قام بالكثير من الجرائم في مناطق مختلفة من العراق والذي في الوقت الحاضر اصبح يلفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة للضربات الموجعة التي تلقاها خلال الفترة السابقة.
مثل هذا الأوضاع تتطلب الكثير من الأشياء التي تُعد في غاية الأهمية:
أولاً: وجود الإرادة الحقيقية والعزم على حل هذه المشاكل وخدمة الشعب بدون النظر إلى الطائفية أو المذهبية، وهذا يتطلب وجود أُسس دينية ومحبة في انفس السياسيين الحكوميين. فيجب على القادة العمل بدوافع إيمانية ومحبة لخدمة هذا الشعب وأن يبتعدوا عن الانشغال بكسب السلطة والثروة والشهرة.
ثانياً : يجب الاستناد على النهج الجماعي والتركيز على المصالح الوطنية وبالتالي يجب احترام آراء واستراتيجيات الجماعات الدينية والمذاهب الأخرى، بدلا من التركيز على المصالح والأفكار الفردية أو المذهبية. وفي مثل هذه الظروف، عندما يرى أي فرد أو جماعة أو مذهب، بأن طريقته أو منهجيته هي الأفضل ويسعى إلى تحقيقها باستخدام القوة والسلطة، فإن ذلك سوف يؤدي إلى خلق انقسامات وصراعات في المجتمع.
ثالثاً: الوعي والحنكة وكشف حالة الأوضاع والأولويات. يجب أن يتم تعيين ما هي الأولويات الرئيسية للمجتمع في الوضع الحالي. إن الشعب العراقي قبل كل شيء بحاجة إلى الأمن وتحسين سبل العيش والرخاء. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يتم تعيين ما هو الحل الأمثل لتلبية مثل هذه الاحتياجات؟ وهنا تجدر الإشارة بأنه لا يجب النظر إلى هذه الاحتياجات بنظرة غير مهتمة أو مغرضة فهي لن تشكل أي أولوية بالنسبة لهذا المجتمع، فعرضها ومتابعتها بهذا النهج الغير مهتم سوف يؤدي إلى إيجاد مشاكل وتهديدات لهذا المجتمع.
ليس من الضروري أن يكون هذا الوعي حكراً على النخبة والسياسيين فقط. فأولاً وقبل كل شيء يجب أن يكون للجمهور العام نصيباً من هذا الوعي. وذلك من اجل أن يعلموا بأن لأصواتهم ولآرائهم تأثيراً قوي في الساحة المحلية، لأنه في نهاية المطاف، سوف تحدد أصواتهم من يكون الحاكم وثانيا، سوف يساعدهم هذا الوعي في فتح أعينهم وأذانهم على المشاكل الموجودة في المجتمع وبأن لا يثقوا بأية مبررات وبأن لا يجرون وراء أي شخص. يجب أن يتعرفوا على كافة الأوضاع في مجتمعهم وبأن يركزوا أنتباههم إلى شعارات وسلوكيات السياسيين وقادة الأحزاب. فمن الممكن أن يقوم بعض السياسيين بالاستفادة من الجماهير للوصول إلى منافع شخصية أو مذهبية.
رابعاً: سيادة القانون وتجنب الاحتكار. إذا قيل بأن القانون سيء، فهو أفضل من عدم وجود قانون، ومن هنا يجب على أولئك الذين يرون بأن آرائهم هي الأفضل والأصلح والذين يحاولون جاهدين لتحقيق آرائهم تلك عن طريق استخدام القوة والسلطة، بأن يعلموا بأنه عندما يقوم شخص أو مجموعة بإتباع مثل هذا النهج، فإن هذا سوف يؤدي إلى خلق صراعات وانتشار الفوضى والذي سوف يؤدي بدورة إلى غياب القانون والإضرار بالمجتمع. في الواقع، عندما تزداد الأوضاع سؤ في أي مجتمع، فإنه من الضروري أن يسود القانون في ذلك المجتمع ليعم العدل والسلام فيه.
فإن تم العمل بخلاف ذلك، فسوف تزداد الأوضاع سؤ. وهذا هو السبب إلى قيام بعض المجتمعات بإعلان حالة الطوارئ عند حدوث مثل هذه الأزمات. فحالة الطوارئ ليست سوى توسيع القيود القانونية وتطبيق القانون بصرامة اكثر. ولهذا فأنه في هذه الأوضاع السيئة التي يعيش فيها العراق يجب الالتزام بالقانون وتطبيقه لأنه هو الحل الوحيد الذي سوف يحفظ الأمن والرخاء لهذا البلد. وإذا كان القانون ضعيف وغير فعال، فيجب القيام بتعديلات لإصلاحه ولا يجب تركه والتخلي عنه حتى لا تسود حالة انعدام القانون داخل المجتمع العراقي.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق