لبنان يدحر الإرهاب: حزب الله أنجز نصف المهمّة وشريك في النصف الآخر
بعد أن طوى حزب الله بدعم شعبي غير مسبوق صفحة النصرة من الحدود اللبنانية السورية في معركة لم تدم سوى أيام قليلة وقف الجيش اللبناني فيها حامياً لظهر رجال المقاومة. يحصّن الجيش اللبناني مواقعه الأمامية ويستعد للمعركة الحاسمة مع تنظيم داعش الإرهابي ما يشكّل نقطة تحوّل بارزة على مستوى القرار الاستراتيجي.
وبانتظار ساعة الصفر، بعد الأمر الذي أعطته الحكومة اللبنانية للجيش باتخاذ ما يلزم وفي الوقت الذي يراه مناسبا لحسم معركة جرود القاع شرقي البلاد، يحاول البعض تعكير صفوة المشهد السياسي والعسكري بما يخدم مصالحه السياسيّة.
بعيداً عن ساعة الصفر التي ستبقى بيد الجيش اللبناني، أُبلغت قيادة “اليرزه” المسؤولين أنّ خوض هذه المعركة بالتحديد لا ينتظر أيّ قرار سياسي، فالجيش يدافع عن أرضه ضدّ العدوان والإرهاب، وهذه مهمّته الأساسية بما يخدم تعزيز الخطوط الدفاعية الخلفية والأمامية للجيش لمنع أي تسلل للإرهابيين إلى الداخل اللبناني.
حزب الله نجح في إنجاز نصف المهمّة في جرود عرسال، وأزاح عن اللبنانيين ثقلاً واسعاً على الجبهة الشرقيّة، ليبقى الإرهاب في مسافة تقارب الـ150 كلم مربّع. اليوم يستكمل الجيش اللبناني النصف الآخر من مهمّة دحر الإرهاب، وسط محاولات سياسيّة وإعلاميّة لنفي أي تنسيق مع الجيش السوري أو مشاركة لرجال المقاومة في هذه المعركة الفاصلة.
البعض يؤكد أن هذه المحاولات تأتي في إطار أجندات خارجيّة اتضحت بعض معالمها من خلال ما أشارت له صحيفة الجمهورية اللبنانية، عن وجود مساعٍ روسيّة للضغط على حلفائها بقبول تغطية جوية من التحالف الدولي لخوض الجيش المعركة ضد “داعش”، الأمر الذي يحتاج لموافقة الجيش السوري.
ما يُراد، سياسيّاً، من معركة الجيش في القاع ورأس بعلبك، ليس انتصار الجيش، ولا المقاومة، بل استخدام انتصار الجيش كأرضية لمشاريع سياسيّة جديدة في الداخل اللبناني تتزامن مع مشاريع جديدة ستصدر عن الكونغرس الأمريكي قريباً ضد الحزب. ما يُراد مع جرود القاع تنكيس راية حزب الله ضدّ الإرهاب، وليس رفع راية الجيش اللبناني. ما يُراد من معركة رأس بعلبك ليس قطع رأس الإرهاب، بل قطع رأس الحزب. ما يُراد من هذه المعركة استخدامها في الداخل اللبناني ليس لدعم الجيش وتعزيزه، إنما لتصفية المقاومة ونزع سلاحها بعد ضرب القاعدة الذهبية “الجيش والشعب والمقاومة”. بطبيعة الحال هذا رأي فئة سياسيّة ضيّقة، وفئة شعبية أضيق، بعد أن ضاقت هذه الفئة السياسية ذرعاً بخروج قاعدتها الشعبية عن السيطرة في احتفائها بانتصار المقاومة في جرود عرسال.
وأما على الصعيد العسكري، فالمشهد مختلف تماماً حيث يريد الجيش خوض هذه المعركة بما يخدم تعزيز الخطوط الدفاعية الخلفية والأمامية للجيش لمنع أي تسلل للإرهابيين الى الداخل اللبناني، وبالتالي فإن عملية التنسيق مع الجيش السوري وغرفة عمليات المقاومة تجري على قدم وساق، بعيداً عن أي مشاريع سياسيّة. فرجال الجيش والمقاومة سيقفون كتفاً إلى كتف في مواجهة داعش، في حين أنّهم سيلتقون على الحدود بين البلدين بعد القضاء على التنظيم الإرهابي. سيتكرّر المشهد الذي أغاظ كثيرين على الحدود السوريّة العراقيّة بالتقاء قوات البلدين، ولكن هذه المرّة بنكهة لبنانيّة سورية.
وأما فيما يخصّ التنسيق بين الجيشين اللبناني السوري وحزب الله، الذي يعدّ أمراً مفروغاً منه في الواقع الجغرافي والعسكري والميداني، فإن تداخل المناطق التي يسيطر عليها داعش من ناحية، وحالات التقدّم الميداني التي قد تؤديّ إلى التحام غير مقصود من ناحية أخرى، تفرض هذا التنسيق وان كان عبر ضبّاط ارتباط، وليس غرفة عمليات مشتركة.
لماذا تعدّ مشاركة المقاومة والجيش السوري أساسيّة؟
بعيداً عن المناكفات السياسيّة التي يُراد استخدامها لاحقاً في سياق أجندات خارجيّة تهدف لمحاربة الحزب في الداخل اللبناني، وأبعد من التنسيق الذي بدأ فعلاً، تعدّ مشاركته في المعركة، إضافةً إلى الجيش السوري، في غاية الأهميّة بالنسبة للجيش اللبناني. قد نوافق ما كشفته مصادر عسكرية رفيعة، عن قدرة الجيش وحيداً على هزيمة التنظيم ودفعه إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية إلى داخل سوريا، ولكن هذا الأمر يعني أولاً امتداد المعركة لفترة أطول الأمر الذي سيؤدّي إلى استنزاف أكبر للجيش، ثانياً خسارة الجيش والشعب اللبناني للمزيد من الضباط والجنود بسبب تركيز داعش لمقاتليه على الجبهة اللبنانية دون السورية من المنطقة التي يسيطر عليها، ثالثاً وإضافةً إلى كون الأمر هروباً إلى الأمام، ما الذي يضمن أن لا يعاود داعش هجماته على المناطق التي سيحرّرها الجيش باعتبار أن المسافة الفاصلة لن تتعدّى مئات الأمتار وربّما العشرات (في حال لم تتزامن معركة الجيشين)؟ وهل سيكون الجيش قادراً على الوقوف في وجه عشرات الانغماسيين في مرحلة لاحقة؟ ومن سيتحمّل مسؤولية الشهداء حينها؟
إن تزامن المعركة، ومشاركة المقاومة للجيشين في المعركة والنصر تقوّض فرص المناورة التي قد يستخدمها داعش في المساحة التي يسيطر عليها التنظيم عبر تطويق مقاتليه من كافّة الجبهات.
في الخلاصة، المعركة لن تتمّ دون الأطراف الثلاثة، وتبقى الكلمة الفصل في الميدان لرجاله، الجيش اللبناني وحزب الله على الجبهة اللبنانية، والجيش السوري وحزب الله أيضاً على الجبهة السوريّة في معركة سيستعين فيها الطرفان بالشعب للمساندة، بما يرسخ القاعدة الذهبية “الجيش والشعب والمقاومة”. هذه المعركة سترسّخ هذه القاعدة التي تعدّ صلب الاستراتيجية الدفاعيّة، رغم محاولة البعض استخدامها بصورة معاكسة تماماً، فحزب الله الذي رفع العلم اللبناني عالياً في معركة عرسال، أنجز نصف المهمّة، وسيكون شريكاً في النصف الآخر.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق