العواقب المحتملة للحرب الأمريكية المفترضة ضد كوريا الشمالية
بعد تصاعد حدة التوتر بين أمريكا وكوريا الشمالية نتيجة استمرار “بيونغ يانغ” بتجاربها النووية والصاروخية وزيادة التواجد العسكري الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية، بدأت التساؤلات تثار بشأن العواقب المحتملة في حال اندلاع الحرب بين الجانبين وأثرها على المنطقة والعالم.
وتدرك واشنطن وحلفاؤها لاسيّما اليابان وكوريا الجنوبية إن شن الحرب على كوريا الشمالية سيشعل المنطقة برمتها وسيترك آثاراً سلبية على اقتصادات كافة دول العالم، ولهذا سعت دول أخرى في مقدمتها الصين وروسيا للحيلولة دون وقوع هذه الحرب المدمرة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية أجرت كوريا الشمالية تجارب صاروخية متعددة وهددت في الوقت نفسه على لسان زعيمها “كيم جونغ أونغ” بضرب أهداف أمريكية منتخبة بينها القواعد العسكرية في جزيرة “غوام” في غرب المحيط الهادي ومن ضمنها قاعدة “أندرسون” الجوية التي تحتضن قاذفات استراتيجية من طراز (B-52)، الأمر الذي أثار غضب الإدارة الأمريكية وشخص الرئيس “دونالد ترامب” الذي توعد بيونغ يانغ بهجوم مدمر لم يسبق له مثيل، على حد تعبيره.
وواجهت تصريحات ترامب بهذا الخصوص انتقادات شديدة في داخل أمريكا وخارجها، واصفة هذا التهديد بأنه مجرد حبر على ورق، ما شكّل ضربة سياسية وعسكرية باهظة الثمن للجانب الأمريكي، فضلاً عن التداعيات السلبية التي يمكن أن يتركها ذلك على العلاقات بين أمريكا من جهة واليابان وكوريا الجنوبية من جهة أخرى، لخشية طوكيو وسيول من إمكانية التعرض لهجمات صاروخية من قبل كوريا الشمالية في حال شعرت الأخيرة بأي تهديد أمريكي جدي لأمنها ووحدة أراضيها.
ومن الانتقادات التي وجهت لترامب إزاء تهديداته لبيونغ يانغ يمكن الإشارة إلى تصريحات العضو الديموقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي “إليوت إنغل” الذي وصف أطباع ترامب بـ”النزقة”، وكذلك تشكيك السيناتور الجمهوري “جون ماكين” الذي أكد بأنه ليس واثقاً بأن ترامب جاهز للتحرك ضد كوريا الشمالية، فيما رأى الأمين العام السابق للحلف الأطلسي “أندرس فوغ راسموسن” في تصريحات ترامب بأنها تمثل سابقة خطيرة وتنم عن عدم إدراك حقيقي لحجم الكوارث التي ستحل بالبشرية في حال اندلاع الحرب.
ونظراً لتمكن بيونغ يانغ من زيادة مديات صواريخها الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، وتهديداتها المتكررة بضرب أهداف في العمق الأمريكي، بدأت واشنطن تشعر بالحرج الشديد كونها أصبحت بين خيارين أحلاهما مرّ؛ الأول الدخول بحرب لايمكن التكهن بنتائجها مع كوريا الشمالية أو السكوت على مضض مقابل تهديدات بيونغ يانغ والاكتفاء بفرض المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية عليها عبر مجلس الأمن الدولي.
ومما يعزز الاعتقاد بأن واشنطن تعيش الحيرة والاضطراب جراء أزمتها مع بيونغ يانغ هي التصريحات التي أطلقها عدد من المسؤولين الأمريكيين ومن بينهم وزير الحرب “جيمس ماتيس” والتي اعترف فيها بأن الحرب مع كوريا الشمالية ستكون كارثية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الجهود الأميركية تركز حالياً على الحلول الدبلوماسية.
وزير الحرب الأمريكي “جيمس ماتيس”
لهذه الأسباب وغيرها يبدو احتمال اندلاع حرب بين أمريكا وكوريا الشمالية ضئيلاً ولايتعدى التصريحات النارية التي يطلقها الجانبان بين الحين والآخر لتحقيق غايات إعلامية ونفسية، فيما يعتقد البعض بأن أمريكا ستلجأ إلى تشديد الضغوط الاقتصادية والسياسية على كوريا الشمالية للإيحاء بأنها لا تفضل الحرب، في حين أن الحقيقة تكمن بأن واشنطن لم يعد أمامها سوى الإذعان للحلول الدبلوماسية من خلال إقناع بكين بالضغط على بيونغ يانغ تارة، أو اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة على كوريا الشمالية، ما يعني أن المناوشات الإعلامية والسياسية ستتواصل بين الجانبين.
خلاصة يمكن القول بأن جميع التوقعات باندلاع حرب بين كوريا الشمالية وأمريكا باتت لا تتعدى التوجسات رغم امتلاك الجانبين لقدرات تدميرية هائلة، وذلك لإدراك الطرفين بأن النتائج التي ستتمخض عنها الحرب في حال اندلاعها لايمكن السيطرة عليها وستلهب المنطقة وربما العالم برمته، وهو ما لاتحبذه واشنطن باعتبار أنها ستكون الخاسر الأكبر لتشابك مصالحها مع الكثير من دول العالم ولوجود قواعدها وقواتها العسكرية في مناطق كثيرة من العالم والتي تعتبر بمثابة أهداف رخوة يمكن أن تتعرض لهجمات مدمرة سواء من قبل كوريا الشمالية أو دول أخرى تنتظر مثل هذه الفرصة لإلحاق أكبر هزيمة ممكنة بالجانب الأمريكي.
المصدر / الوقت