التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

بعد مرور11 عاما على عدوان تموز2006 

يوم الاربعاء بتاريخ 12/تموز/2006 وبينما كنت أتابع بعض الملفات البلدية المكلف بها من مكتبي في مديرية العمل البلدي لحزب الله في مدينة بعلبك، وإذ بقناة المنار تقطع برنامجها المعتاد عند الساعة العاشرة صباحا لتبث مباشرة بيانا صادرا عن المقاومة الاسلامية وفيه ان مجاهديها الابطال كانوا قبل ساعة قد نجحوا في أسر «جنديين اسرائيليين» في عملية نوعية جريئة إستهدفت قافلة عسكرية صهيونية كانت تقوم بدورية على طريق «خلة وردة» الواقعة جغرافيا تحت إشراف بلدة «عيتا الشعب» المحاذية للحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة وقد أضاف البيان حينها؛ أن الجنديين الإسرائيليين أصبحا في مكان آمن وبعيد عن عيون العدو الإسرائيلي.
عندها وبطريقة عفوية علا صوتي في أرجاء مكاتب الطابق الرابع بصيحات الله اكبر، لقد نجحنا وانتصرنا وما على اسرائيل إلا الخضوع والإستسلام لمنطق المقاومة وسيدها، وما ان إكتمل إحتشاد الزملاء امام شاشة المنار التي كانت تتوسط قاعة صالون الإستقبال لمتابعة ومعرفة المزيد عن اخبار العملية وتداعياتها السياسية والعسكرية، حتى قال عامل السنترال: «لقد وردنا للتو تعميما من قيادة المقاومة يطلب من الجميع إخلاء المكان فورا الى المكان البديل المحدد في خطة الطوارئ».
ولأنني أعتقد ان الحرب الاعلامية توازي الحرب العسكرية إن لم تتفوق عليها، بالإضافة الى أن دوري الاعلامي كان متقدما في المسؤولية على دوري في العمل البلدي، جلست لبرهة أتأمل وأفكر، ليس في أمر إخلاء المبنى -الذي استهدفته طائرات العدو لاحقا ودمرته بشكل كامل- إنما في كيفية مباشرة العمل الاعلامي الميداني باعتبار ان للصحافي حصانة تميزه عن غيره وتخوّله إقتحام ميادين القتال.
وبالفعل فرض عملي الصحفي نفسه على حركتي ومن دون تأخير قمت ببث التقرير الإخباري الأول على الهواء مباشرة عبر أثير اذاعة المقاومة «اذاعة النور» من خلال هاتفي الخليوي الذي بقي يعمل طوال ايام الحرب الـ 33 لأن العدو الإسرائيلي لم يقم حينها باستهداف محطات إرساله على غرار إستهدافاته لمحطات الكهرباء وخطوط الهواتف الارضية التي توقفت كلها عن العمل الأمر الذي جعل إمكانية التواصل مع وكالة الجمهورية الاسلامية الايرانية للأنباء (ارنا) ونقل اخبار ووقائع الإعتداءات الإسرائيلية في البقاع الى مكتب بيروت محصورة بالهاتف الخليوي كما هي الحال مع الإذاعة .
ولأن آلية عمل «الوكالة» تحتاج الى جهاز الفاكس الذي بدوره أصبح هو بحاجة الى التيار الكهربائي ليعمل في بعلبك بعدما إستهدف العدو بصواريخه التدميرية المحطات الرئيسية وتحويلات التيار الكهربائي التي توقفت عن العمل بشكل نهائي، وبما إنني حرصت على ان اقوم بواجباتي المهنية اتجاه «ارنا» كما هي حال واجباتي اتجاه الإذاعة ورغم المشاكل التي حصلت رحت أبحث عن الاماكن التي فيها اي آلة فاكس تعمل على البطارية او على مولد طاقة خاص، حتى لو خاطرت بنفسي لأن الاسواق التجارية كانت قد أغلقت ابوابها وبات مشهد الشوارع والطرقات خال الا من بعض السيارات التي تنقل الأولاد والنساء والعجزة الى أقاربهم في القرى البعيدة عن الصواريخ التي أرادت حينها ان تنتقم من بعلبك لكونها مدينة المقاومة الاسلامية ومركز إنطلاقتها الاولى.
وبالفعل قمت بجولة ميدانية على معظم الوحدات السكنية في بعلبك حيث وجدتها فارغة من أهلها وساكنيها، وما ان وصلت الى المنزل الذي وجدت فيه ضالتي «الفاكس والبطارية والمولّد» حتى اطلقت طائرات العدو القادمة من البحر الابيض المتوسط صواريخها الذكية التي راحت تتساقط كالمطر على سبعة منازل سكنية تم تدميرها وان بنسب متفاوتة، ومن بينها كان المنزل الذي قصدته من بابه الغربي، حيث أصاب قسمه الشرقي صاروخ من هذه الصواريخ عندها خبأت رأسي وبدأت أركض نحو سيارتي لأتيقن بعدها بأن العناية الالهية وحدها هي التي أنقذتني قبل ان يعاجل القسم الغربي صاروخا آخر فيدمر المنزل بشكل كامل.
ولان سيرة تجربتي تحتاج الى كتابات بعدد ايام حرب تموز (33) سأكتفي بكتابة ما يتعلق بإنزال مستشفى دار الحكمة.
يوم الثلاثاء وبتاريخ 1 آب/أغسطس 2006 حاول العدو الإسرائيلي المأزوم رفع معنوياته المنهارة نتيجة الإرباكات المتتالية والإخفاقات المتواصلة عبر تنفيذ عمليات إنزال وهمية خلف الخطوط لا سيما في سلسلتي لبنان من الجبال الشرقية والغربية. وعند الساعة التاسعة و45 دقيقة من ليل الاربعاء بدأ العدو الإسرائيلي باستهداف مبنى المستشفى لكن ليس كما توقع احدهم «بقصفها وتدميرها» بل بتنفيذه عمليات انزال لطائراته «الآباتشي والمروحي» في منطقة قريبة في المستشفى وانتشار 200 ظابط ورتيب وجندي من وحدة الكوماندوس الصهيونية الخاصة في محيط المستشفى وبالتالي دخولهم الى باحتها الخارجية والى داخل مبناها وطوابقها الاربعة.
العدو الذي ارسل حوالي 40 طائرة حربية ومروحية لسماء بعلبك مهد لعمليات الانزال بإقامة زنار صاروخي ب20 غارة على محيط المستشفى وبعدها نفذ 20 غارة وهمية على ارتفاع منخفض جدا لارعاب الناس ومنعهم من الحركة الى حين انجاز هدفه الا ان المستشفى التي جرى اخلاء مبناها من الجميع لم يكن في باحتها ومحيطها سوى اربعة ممرضين وطبيب واربعة من المسعفين منهم الشهيد عاطف امهز الذي كان اول من بادر بالاشتباك معهم بعدما اكتشف امرهم كما اشتبك ايضا معهم من موقع اخر رابط الشراونة رضا مدلج الذي استطاع ان يصل الى اقرب نقطة لمدخل المستشفى رغم الغارات الصاروخية والوهمية كما افاد عبر جهاز الاتصال الذي بحوزته حيث قال: انا اعمل الآن على سحب جثة الجندي الصهيوني المقتول لاخذه رهينة هذه المعلومات التي قمت ببثها على الهواء مباشرة عبر اثير اذاعة النور عند الحادية عشرة ليلا يبدو انها لم تعجب بعض الزملاء حيث اتصل احدهم بي فور اغلاق هاتفي مع الإذاعة ليبدي اعتراضه على مضمون خبري الذي اكدت فيه وقوع الاشتباكات العنيفة بين رجال المقاومة وعناصر وحدة الكوماندوس الصهيوني لحظة انكشاف امرهم وان هناك قتلى وجرحى اسرائيليين في باحة المستشفى وعند مدخل الباب الرئيسي ايضا عندها بادرته بالقول: اعتقدت ايها الزميل ان اتصالك كان من اجل التعاون والتنسيق وتقديم اي نوع من المساعدة لرجال المقاومة الابطال خاصة وان منزلك على مقربة من ساحة المعركة والاشتباكات وبعد اصراره على مواقفه المحبطة تحت عنوان مصداقية الخبر وقوله، ان غدا عندما يكتشف الناس حقيقة ما قلت في رسالتك الاذاعية البعيدة عن الواقع ماذا تقول لهم عندها قمت بانهاء المكالمة معه .
وعند بزوغ فجرصباح يوم 2/7/2006 وبعد انسحاب جنود العدو من المنطقة الى طائراتهم ومعهم قتلاهم وجرحاهم قمت مسرعا الى مبنى المستشفى التي وصلتها مع المجاهدين والاسعاف الحربي واذ بزميلنا المتفلسف الذي اتصل مستنكرا ونافيا حصول اشتباكات بين رجال المقاومة والكوماندوس الصهيوني جاء مع مصور وكالة الصحافة الفرنسية الى المستشفى ووقف عند دماء الشهداء الابطال الذين استشهدوا بعدما اطلقوا كل ما لديهم من ذخيرة والإشتباك معه لمنعه من دخول مبنى المستشفى عندها قال معتذرا: الله يرحم الشهداء ويشفي الجرحى ويحفظ المجاهدين والمقاومين وسيدهم وراح بعد ذلك يعد طلقات رشاشات الشهداء الفارغة حيث تبين انها اصابت اهدافها وقد تجاوز عددها اكثر من 300 طلقة مقابل 3000 طلقة فارغة كانت موجودة في عدة اماكن تحصّن فيها جنود العدو وإلى جانب بعض هذه الاماكن بقع دم وقبل المغادرة قال لقد شاهدت بام العين شهداء المقاومة وجرحاها الابطال وقبّلتهم وقد عثرت ايضا على دم ورشاش اسرائيلي ما يعني ان هناك اصابات مؤكدة في صفوف جنود العدو الإسرائيلي وتأكدت انهم كانو مزوّدين بأشعة الليزر وبكواتم الصوت والنظارات الليلية .
اما المفاجئة الحلوة في تجربتة اخرى كانت مع ابني الذي ذهب مع المقاومين في صباح يوم العدوان في 12/7/2006 وعندها لم نعد لا انا ولا والدته نعرف او نعلم عنه شيئا وسط جرائم العدوان المتواصل ليس بحق البشر الأبرياء فقط بل بحق كل ما يمس المقاومة بصلة وفي 14/9/2006 وعند الساعة الواحدة من ظهر يوم الاثنين الا دقيقة واحدة اي بعد 33 يوما وبينما انا اقف وسط ركام المنازل السكنية المهدمة في حي العسيرة في بعلبك وفي يدي اليسرى اوراق التقرير الاخباري الذي اعددته عن وقائع سير الساعات الاولى لاتفاق وقف الاعمال الحربية في منطقة البقاع وفي يدي اليمنى الهاتف الخليوي استعدادا للبث المباشر في اول نشرة اخبار الساعة الواحدة عبر اثير اذاعة النور واذ بالهاتف يرن استغربت الأمر ورحت أسأل المتصل عن سبب انقطاع الارسال بيني وبين الإذاعة على اعتبار انني كنت موصولاً بها منذ عدة دقائق وانا بانتظار تقديمي من قبل الزميل المذيع في استدويو الإذاعة لبث ما لدي من معلومات على الهواء الا ان المفاجأة كانت بالشخص المتصل حيث انه لم يكن عامل سنترال الإذاعة كما كنت اعتقد بل احد المقاومين الابطال المميزين الذين حياهم سيد المقاومة في رسالته المشهورة وهو يقول: بابا انا ابنك انا بخير وموجود في مريمين مع الشباب على الحدود مع العدو عندها قبلت الارض وشكرت ربي وقلت له اتصل فورا بوالدتك التي تدعو لك ولإخوتك في المقاومة الاسلامية ولسيدها وهي بانتظارك وانتظار الاحتفال بانتصاراتكم وأقفلت الخط معه لأستقبل خط الإذاعة الذي تبين ان عطلا قد طرأ بالسنترالال ليفسح المجال امام ابني الغائب ان يتصل بوالده الذي ادى دوره في مهنة المتاعب ببث رسالته الإذاعية وبمعنويات عالية وباضافات جديدة لم تكن مكتوبة في التقرير .
هاني فخرالدين – صحافي من لبنان يكتب تجربته المتواضعة في الحرب

بقلم / هاني فخر الدين

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق