التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

دور موسكو في الشرق الأوسط في ظل انعدام الثقة بواشنطن 

ترتبط روسيا بعلاقات تاريخية قديمة مع كافة دول الشرق الأوسط وغرب آسيا، وقد مرّت هذه العلاقات بمراحل متعددة تركت آثارها على مجمل الأوضاع في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي وسعي أمريكا للتفرد بالعالم حاولت روسيا استعادة دورها الإقليمي لاسيّما في مناطق آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط. وظهر هذا الدور بشكل واضح بعد أحداث ما يعرف بـ “الربيع العربي” في عدد من دول المنطقة والذي سعت أمريكا لتجييره لصالحها من خلال إشاعة الفوضى عبر الجماعات الإرهابية التي احتلت أراضي شاسعة في بلدان عديدة لاسيّما سوريا والعراق.

وقبل ذلك سعت أمريكا للهيمنة على مقدرات المنطقة من خلال احتلال أفغانستان والعراق في عامي 2001 و2003، مستفيدة من مزاعمها بشأن محاربة الإرهاب على خلفية أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي طالت برجي التجارة العالميين في نيويورك.

وتمكنت روسيا من استعادة دورها المميز في المنطقة من خلال دعمها لسوريا والعراق في محاربة الإرهاب. وتبلور هذا الدور بإرسال قوات عسكرية كبيرة إلى الأراضي السورية من أجل المشاركة في ضرب مقرات ومواقع الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” وما يعرف بـ “جبهة النصرة”.

ونجحت روسيا في تقليص نفوذ أمريكا في المنطقة بفعل المشاركة الناجحة لقواتها في محاربة الإرهاب وذلك من خلال التنسيق مع إيران التي تدعم محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الأمريكي المسمى “الشرق الأوسط الكبير أو الجديد” والرامي إلى تمزيق المنطقة والاستحواذ على خيراتها والتحكم بمصيرها.

ونجح الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في كبح جماح الجماعات الإرهابية في عموم المنطقة بشكل ملموس لشعوره بالخطر المحدق الذي يستهدف أمن واستقرار بلاده على يد هذه الجماعات.

وأدركت معظم دول الشرق الأوسط وغرب آسيا أهمية الدور الروسي فبادرت إلى مد جسور التعاون معها، وعقدت معها معاهدات لشراء الأسلحة وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، الأمر الذي قلّص أيضاً من نفوذ أمريكا في عموم المنطقة.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تعزيز دور روسيا الإقليمي هو نجاحها في تقديم مشاريع سياسية ودبلوماسية لتسوية الأزمات في المنطقة لاسيّما في سوريا واليمن، وسعيها كذلك لإعادة توازن القوى في هذه المنطقة، الأمر الذي حجّم من الدور الأمريكي رغم إصرار واشنطن على تعزيز تواجدها العسكري في العديد من الدول بحجة محاربة الإرهاب وذلك من خلال تشكيل ما يسمى بـ “التحالف الدولي” الذي أثبتت التجارب أنه لا يهدف سوى لتمرير مشاريع الإدارة الأمريكية وفي طليعتها التدخل في شؤون المنطقة خدمة لمصالحها العسكرية والسياسية والاقتصادية على حساب الدول الأخرى ومن بينها روسيا.

ولايخفى على أحد ما للدور الروسي من أهمية في الحدّ من نفوذ واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” والتي تسعى للتأثير على قرارات الدول التي كانت في السابق ضمن المعسكر السوفيتي في المنطقة ولكنها تحولت فيما بعد وبدرجة كبيرة إلى المعسكر الغربي بفعل الحروب التي شنّها “الناتو” بقيادة أمريكا على هذه الدول ومن بينها العراق وأفغانستان. وهذا الدور برز بشكل أوضح بعد أن سعت أمريكا لإقصاء روسيا عن التأثير في مجريات الأحداث في هذه البلدان، الأمر الذي واجهته موسكو بحنكة سياسية وحرفية ميدانية عالية دون إشعار الآخرين بأنها تريد الهيمنة على مقدراتهم كما تفعل واشنطن.

هذه المعطيات وغيرها جعلت الكثير من دول الشرق الأوسط وغرب آسيا تتجه نحو روسيا لتدارك ما فات بسبب التدخل الأمريكي من جهة، ووجود الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن روسيا التي تعد من الدول الكبرى في العالم والدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي تعتقد بضرورة التواجد في الشرق الأوسط وغرب آسيا وباقي المناطق لشعورها بأن مساعي أمريكا لحكم العالم في إطار”القطب الواحد” لن تثمر سوى عن مزيد من الفوضى واستفحال خطر الجماعات الإرهابية، وبالتالي فهي ترى نفسها ملزمة بالقيام بهذا الدور للحيلولة دون تفرد أمريكا بالعالم من جانب، ومن أجل تحقيق مصالحها المشروعة بالتنسيق مع الدول التي ترغب بالتعاون معها في هذا المضمار من جانب آخر.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق