لماذا السعودية بحاجة إلى حل خلافاتها مع إيران؟
كشف موقع وزارة الداخلية الإيرانية يوم أمس الأحد نقلاً عن وزير الداخلية العراقي “قاسم الأعرجي” الذي زار طهران مؤخراً قوله أن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي طلب بشكل رسمي خلال زيارة الأعرجي إلى السعودية أن يتوسط العراق بين إيران والسعودية لخفض حدة التوترات بينهما.
وقد حظي هذا الخبر فور الكشف عنه بإهتمام دولي كبير حيث لقي أصداءً واسعة وحلَّ في مقدمة الأخبار العالمية. وحتى الآن لم يبدي المسؤولون السعوديون أية ردة فعل على هذا الخبر، كذلك فقد آثرت وسائل الإعلام السعودية حتى وقتنا هذا، الصمت حيال هذا الموضوع، وهذه خطوة ربما تأتي إنتظاراً للموقف الرسمي السعودي لتفصح وسائل الإعلام هذه بعد ذلك عن موقفها.
لكن ما هو واضح وجلي للعيان هذه الأيام من نبرة تصريحات المسوؤلين السعوديين، هو أن صنّاع القرار في الرياض توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه لا سبيل أمامهم لحل القضايا العالقة في المنطقة سوى الجلوس مع إيران على طاولة الحوار بصفتها القوة الأكبر في المنطقة والتفاوض معها حول هذا الموضوع.
لكن لماذا العراق؟الإجابة على هذا السؤال واضحة. فالعراق يتمتع بعلاقات قوية مع إيران في المجالات المختلفة، كذلك فإن تواجد العتبات المقدسة لشيعة أهل البيت (ع) في العراق والأواصر المشتركة بين إيران و العراق كل ذلك يجعل من العلاقة بين البلدين والشعبين الإيراني والعراقي أقوى وأكثر إستحكاماً من أي وقت مضى، كما أن وجود حكومة شيعية في العراق زاد من عمق العلاقة بين بغداد وطهران، وهذا الأمر لم يكن ببعيد عن أنظار المسؤولين السعوديين، وهو الأمر ذاته الذي جعل المسؤولين في الرياض يختارون العراق طريقاً للعب دور الوسيط بينهم وبين إيران.
إلا أنه لماذا قامت السعودية في الظروف الراهنة (لم تنفي خبر الوساطة لحد الآن) بالتقدم بهذا الطلب، فالسبب في ذلك يمكن إرجاعه إلى القضايا الداخلية والخارجية التي ورطت الرياض نفسها بها.
فعلى ما يبدو أن السعودية في ظل الظروف الراهنة بحاجة إلى تحقيق نوع من الإستقرار على الساحتين الداخلية والخارجية، فهذه الدولة تعاني داخلياً من مشاكل إقتصادية، وكذلك تواجه إحتجاجات داخلية في المناطق الشيعية. فيما هي متورطة على المستوى الخارجي في كثير من الملفات، كملفي اليمن، وسوريا، وأخيراً وليس آخراً الأزمة التي حدثت في علاقاتها مع قطر.
على مستوى الداخل السعودي أيضاً، فقد زادت الإطاحة بولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف وتصدر محمد بن سلمان للمشهد من تعقيد الأوضاع والتحديات بالنسبة لنظام الحكم في السعودية، حيث أن الكثير من الأمراء يعارضون وصول الإبن الشاب لسلمان إلى السلطة، كما أن بن سلمان ومن أجل أن يصل إلى السلطة الشاملة والظفر بعرش وحكم والده، يحتاج إلى تسوية الأوضاع التي تواجهها بلاده داخلياً وخارجياً. كل هذه العوامل تحتم على السعودية أن تخطو خطوة بإتجاه حلحلة خلافاتها الإقليمية وإزالة التوترات التي تعتري علاقتها مع عدد من الدول. وبالطبع فالسعودية ترى في إيران واحدة من الدول المنافسة لها، حيث سعت من خلال المبالغ الطائلة التي صرفتها إلى الوقوف بوجه ما يعتبر بالنفوذ المتزايد لإيران في المنطقة، رغم الهزائم المتكررة التي منيت بها لحد الآن في هذا المجال، لأن مقولة القوة الناعمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية تختلف كثيراً، وهذا النفوذ لم يكن نتيجة إشعال الحروب، و الإجراءات العسكرية وكذلك صرف الأموال الطائلة، وهذه هي الميزة التي تجعل من إيران مختلفة عن باقي الدول بما في ذلك السعودية.
طبعاً إيران أعلنت مراراً وتكراراً أنها مستعدة للدخول في حوار مع السعودية لحل الخلافات، والسعودية هي التي كانت تتهرب من هذا الحوار، وفضلت سبيل المواجهة على سبيل الحوار، ولجئت إلى إستخدام جميع الوسائل المتاحة في مواجهتا للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدءاً من دعم الإرهابيين لزعزعة إستقرار الحدود الإيرانية وإنتهاءاً بالمشاركة في مؤتمر زمرة منافقي خلق التي كانت وما تزال مكروهة في أعين الشعب الإيراني، حيث صرح بن سلمان في إحدى لقاءاته عن عزم نظامه على نقل نيران الحرب إلى الداخل الإيراني.
وعلى أية حال فإن إيران دائماً ما كانت ترحب بالحوار مع الدول المؤثرة في المنطقة، وتؤمن أن التعويل على القوى الخارجية لا يمكنه أن يحقق الأمن والإستقلال للدول، بل أن تكون هذه الدول سيدة نفسها وتقوم بتحقيق أمنها بعيداً عن التدخلات الخارجية، كذلك فإن صرف المبالغ الطائلة من أموال الشعوب لشراء الأسلحة، لا يمكنه أن يكون ضامناً لمصالح وأمن هذه الدول.
فإيران خلال هذه الفترة كانت تستند إلى قوة شعبها، وورقة إيران الرابحة ايضاً مستندة على الدعم الشعبي، وصمود الجمهورية الإسلامية في حرب الثماني سنوات (الحرب الصدامية على إيران 1980 -1988 ) التي وقفت فيها جميع دول العالم وبعض الأنظمة العربية إلى جانب نظام صدام الذي كان مجهزاً بأحدث الأسلحة، خير دليل ومثال على ذلك.
فإيران قوة إقليمية، وهذا الأمر لا يصرح به المسؤولون الإيرانيون، بل المناوئون للجمهورية الإسلامية الإيرانية هم من يقولون ذلك، وإذا كانت السعودية جادة في الجلوس على طاولة الحوار مع إيران، فإن هذا الأمر يجب إعتباره بشارة خير والترحيب به، لكن إذا كان إجراءً تكتيكياً لعبور المرحلة الراهنة، فيجب هنا القول أن الحلول المؤقتة لا دوام لها ولا يمكنها أن تفضي إلى نتيجة. وعلى السعودية وبدل الإستناد على أمريكا والغرب التوجه صوب التعاون الإقليمي، فالتعاون مع إيران ودول المنطقة من شأنه أن يؤدي إلى حل كثير من الملفات الإقليمية، والحد من إتساع دائرة التوترات في المنطقة، لأن إتساع دائرة الأزمة ليس بصالح أي من دول المنطقة.
بقلم / حسن رستمي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق