الموساد يدق ناقوس الخطر: الآتي أعظم
لخص رئيس الموساد الاسرائيلي يوسي كوهين التقدير الاستخباري لتطورات البيئة الاقليمية المحيطة باسرائيل، باطلاق تحذير مفاده أن “المنطقة تتغير في غير مصلحتنا”. يُغني هذا الانذار الذي أطلقه رئيس الجهاز الذي تتجاوز ساحة عمله المنطقة الملاصقة للكيان الاسرائيلي، عن الكثير من التفاصيل التي وردت خلال عرض التقرير الذي قدمه أمام وزراء الحكومة. في كل الاحوال، لم يتم السماح بنشر سوى اليسير مما ورد، لكنه كان كافيا لتكوين صورة عن التقدير الذي يتبناه الموساد ازاء مستجدات التطورات الاقليمية، وما تنطوي عليه من تهديد على الامن القومي الاسرائيلي.
يوسي كوهين: المنطقة تتغير في غير مصلحتنا
قد تكون المفردات التي وردت في المفهوم الذي عرضه كوهين، “المنطقة تتغير في غير مصلحتنا”، محدودة العدد. لكنها تنطوي على أكثر من إشارة ازاء الساحة التي هي ميدان هذه المتغيرات، وطبيعة هذه المتغيرات، وكونها تتحرك بعيدا عما كان تخطط له تل ابيب وواشنطن، وصولا الى حد تعاظم التهديدات.
فيما يتعلق بساحة المتغيرات التي أشار اليها رئيس الموساد. اعتادت مؤسسات التقدير الاسرائيلية، وعلى رأسها الاجهزة الاستخبارية اضافة الى معاهد الابحاث والدراسات ذات الصفة الاستشارية لمؤسسة صناعة القرار السياسي والامني، على القول ان اسرائيل تتمتع ببيئة استراتيجية تنطوي على فرص لم تشهدها طوال تاريخها. وأبرز ما يميز هذه البيئة زوال تهديد الجيوش النظامية، تارة بفعل عمليات التسوية، في الجنوب: مصر، والشرق: والاردن. وأخرى بفعل الحروب التي تشهدها سوريا والعراق، وهو ما أدى الى تراجع تهديد جيشيهما وقواتهما المسلحة، بعد استنزافها وانشغالها بمواجهة التهديد التكفيري.
لكن الانذار الذي دق جرسه – حتى الان – رئيس الموساد، يشير الى احداث تعديل جوهري على التقويم. فالتطورات التي شهدتها وتشهدها الساحتان السورية والعراقية، أدت الى استنفاد الرهانات والمخططات التي هدفت الى اسقاط النظام السوري وتفكيك أواصر التواصل بين أطراف محور المقاومة وتطويق حزب الله تمهيدا للقضاء عليه. وبدلا من ذلك، فقد حقق محور المقاومة انتصارات ليس فقط من خلال منع تحقيق الاعداء في تحقيق أهدافهم، بل تبلور واقع جديد ينطوي ايضا على مخاطر من نوع جديد عبر عنه رئيس الموساد، بالحديث عن أن “اسرائيل تشخِّص ليس فقط وجوداً لإيران وحزب الله، وانما أيضا لقوات شيعية غير إيرانية من كل ارجاء العالم، تشق طريقها الى المنطقة”. ولجهة مستوى هذا التهديد ومرتبته من سلم الاولويات الاسرائيلية، فقد عبر عنه رئيس الموساد بالـتأكيد على ضرورة أن تكون “المهمة الأولى هي وقف ذلك”.
ا
اسرائيل راهنت على داعش في سوريا
أما عن مصاديق التغيير التي تحدث عنها رئيس الموساد، فهي تأتي تتويجا لمسار من التطورات الميدانية التي شهدتها الساحة السورية، بشكل أخص، وذلك بعدما مرت تلك التطورات بالعديد من المحطات التي جسدت حالات المد والجزر في الميدان. مع بدء الاحداث كانت الرهانات الاسرائيلية والاقليمية والغربية في مرحلة الذروة ازاء قرب سقوط الرئيس الاسد.. الى أن “تدخل حزب الله الذي غير دينامية الحرب”، بحسب اقرار آخر سفير أميركي في دمشق روبرت فورد، الذي أكد أن “عدم توقع هذا التدخل هو أكبر خطأ ارتكبناه في الحرب السورية” (صحيفة الشرق الاوسط/ 19/6/2017). ثم أتى لاحقا التدخل العسكري الروسي، الذي انضم الى محور المقاومة في مواجهة التهديد التكفيري على سوريا والمنطقة.. وتتويج ذلك، بتحرير واستعادة مدينة حلب التي غيرت مجرى الحرب بشكل جذري، وبات ما بعد حلب يختلف جذريا عما قبلها.. واسقط الكثير من الرهانات والمخططات.. الى أن انطلق مسار القضاء على داعش.. وأجملَ نتنياهو بالامس، خلال جلسة الحكومة، التغيير الذي تتخوف منه اسرائيل، تعقيبا على تقرير رئيس الموساد بالقول “داعش تخرج، وايران تدخل، وببساطة، نحن نتحدث عن سوريا”.
أما فيما يتعلق في كون التطورات “في غير مصلحتنا (اسرائيل)”، يمكن الاكتفاء، في توصيف التهديدات الكامنة في الواقع القائم ومساراته المقدرة، بالمفهوم التالي: إن بقاء محور المقاومة مترابطا ومتواصلا، سيؤدي الى استمرار تعاظم قدراته وتطورها.. وبالنتيجة تعزيز قوة ردع محور المقاومة في مقابل اسرائيل وحلفائها في المنطقة.. الأمر الذي يعني بالضرورة تأسيساً ودفعاً لتطورات جديدة لاحقة على مستوى المنطقة. هذا الاستشراف دفع ويدفع الاجهزة الاستخبارية، الى محاولة دق ناقوس الخطر لدى صناع القرار السياسي، للتنبيه من أن “الاتي أعظم” وأشد خطورة على اسرائيل.
بقلم / جهاد حيدر / العهد