التداعيات المحتملة لانفصال إقليم كردستان عن العراق
رغم التحذيرات المحلية والإقليمية والدولية من مغبة انفصال إقليم كردستان العراق عن هذا البلد لازال بعض قادة الإقليم يصرون على إجراء استفتاء بهذا الشأن، في وقت يمر فيه العراق بظروف معقدة لاتسمح أبداً بإثارة مثل هذه المواضيع في هذا الوقت بالذات حيث يواجه البلد سلسلة من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية.
ويواجه هذا الاصرار عقبات كبيرة وكثيرة من شأنها أن تحول دول تحقق الانفصال يمكن تلخيصها بما يلي:
البعد المحلي
من المعلوم أن الأحزاب والمكونات الرئيسية في إقليم كردستان العراق غير متفقة على قضية الانفصال. ومن أبرز المكونات التي ترفض الانفصال أو تطالب على الأقل بتأجيل طرحه إلى وقت آخر “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق “جلال طالباني” وحركة التغيير “كوران”. وهذا الأمر من شأنه أن يضع حداً لمحاولات “الحزب الديمقراطي الكردستاني” الذي يقوده “مسعود بارزاني” والمكونات السياسية الأخرى التي تسعى للانفصال.
ويواجه الإقليم تحدياً آخر يتمثل بالوضع الاقتصادي المتلكئ والذي نجمت عنه الكثير من التظاهرات التي تطالب بدفع رواتب موظفي الإقليم وتحسين الحالة المعيشية لكافة شرائحه.
ورغم حصول الإقليم على ما نسبته 17 بالمئة من ميزانية العراق المالية السنوية، إلاّ أن انعدام التوزيع العادل للثروة بين مكونات الإقليم أثار غضب الكثير من الأطراف التي تشعر بالغبن في داخل الإقليم، وبالتالي فإن هذا الأمر قد ساهم أيضاً بعدم موافقة هذه الأطراف على دعم مشروع الانفصال لخشيتها من تكريس الاستئثار بالسلطة وبالأموال من قبل حزب مسعود بارزاني والأطراف الداعمة له.
ومن الناحية السياسية والقانونية يواجه إقليم كردستان معضلة أخرى تتمثل بعدم وجود فقرة واحدة في دستور العراق الذي أُقر عام 2005 تسمح بالانفصال، بالإضافة إلى رفض المكونات العراقية الأخرى لهذا الأمر لاسيّما الشيعة باعتباره يهدد وحدة البلد ويعرضه لمزيد من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن معظم العرب السنة والتركمان الشيعة يرفضون أيضاً انفصال الإقليم خصوصاً وإن الداعين للانفصال يسعون لضم مناطق أخرى من العراق إلى الإقليم في مقدمتها محافظة كركوك الغنية بالنفط.
إلى جانب ذلك هناك ما يعرف بمسألة “المناطق المتنازع عليها” ومن ضمنها محافظة ديالى والمناطق التي سيطرت عليها قوات “البيشمركة” التابعة للإقليم بعد تحريرها من تنظيم “داعش” الإرهابي لاسيّما في محافظة الموصل كقضاء “سنجار”. فهذه المسألة لم تحسم بعد، وهي تشكل عائقاً آخر أمام الانفصال بكل تأكيد.
البعد الإقليمي
تعارض كافة الدول الإقليمية انفصال إقليم كردستان عن العراق لأسباب تتعلق بأوضاعها الداخلية وخشيتها من تداعيات هذا الانفصال على وحدة أراضيها وأمنها واستقرارها لاسيّما تركيا وإيران وسوريا لوجود أقليات كردية على أراضيها ومن المحتمل أن تطالب بالانفصال أيضاً في المستقبل في حال تمكن إقليم كردستان من الانفصال عن العراق.
إلى جانب ذلك يواجه إقليم كردستان تحدياً إقليمياً آخر يتمثل بحاجته لدول الجوار من أجل التبادل التجاري وتحريك عجلة الاقتصاد في الإقليم، ومن المؤكد أن هذه الدول لن تسمح بمثل هذا الأمر طالما أنها ترفض أساساً انفصال الإقليم عن العراق.
البعد الدولي
ترفض معظم دول العالم ومن بينها أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي وروسيا انفصال إقليم كردستان عن العراق في الوقت الحاضر على أقل تقدير لأسباب تتعلق بها أيضاً في مقدمتها أن الانفصال سيحرج حلفاء الغرب ومن بينهم تركيا باعتبار أن الأخيرة ترفض الانفصال كونه يشكل تهديداً أمنياً بالنسبة لها لوجود أقلية كردية في جنوب وجنوب شرق البلاد تسعى أيضاً للانفصال بقيادة “حزب العمال الكردستاني” المصنف كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة وعواصم أخرى في حلف شمال الأطلسي “الناتو” وغيرها.
وترفض موسكو انفصال الإقليم عن العراق لأنها تدرك جيداً أن توجه الإقليم السياسي والعسكري والاقتصادي يصب في صالح الدول الغربية لاسيّما أمريكا. كما أنه سيتيح لواشنطن توسيع منظومتها الأمنية باتجاه دول آسيا الوسطى والقوقاز وهو ما يشكل خطراً أمنياً يهدد روسيا التي تشهد علاقاتها في الأساس توتراً مع الغرب وبالذات واشنطن بسبب الأزمتين السورية والأوكرانية على وجه التحديد.
هذه الأسباب وغيرها تجعل المراقب يجزم بأن انفصال إقليم كردستان لايمكن أن يتحقق في ظل المعارضة الداخلية والرفض الإقليمي والدولي والتحديات الكثيرة التي تواجه الإقليم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا لابدّ لقادة الإقليم الذين يصرون على الانفصال من إعادة حساباتهم لأن الانفصال في حال تحققه سيجر على الإقليم الكثير من المشاكل والأزمات داخلياً وإقليما ودولياً.
المصدر / الوقت