الإمارات والسعوديّة.. مواجهة في انتظار ساعة الصفر!
شكّل صعود الأمير محمد بن سلمان إلى سلّم الحكم ، بالتزامن مع ترسيخ الأمير محمد بن زايد حاكم فعلي للإمارات مع ضعف أخيه المريض “خليفة” علامة فارقة في العلاقات بين البلدين.
وجد كل شخص من المحمدين (بن زايد وبن سلمان) ضالّته في الآخر؛ من مصلحة بن سلمان مراعاة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد في إطار محاولة إيصاله إلى العرش خاصّة أن الرسائل الإلكترونية المقرصنة لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، أو ما يعرف بغلوبال ليكس، أن العتبية شكّل الدافع الرئيسي لتعزيز حضور محمد بن سلمان في واشنطن منذ أواخر عام 2015. وتكشف صحيفة “وول ستريت جورنال” أن بن زايد ساعد في تنظيم زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية في مايو/أيار، وقام هو وغيره من كبار المسؤولين الإماراتيين بدور في الضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة لصالح محمد بن سلمان. في المقابل تتناسب طموحات بن سلمان مع مصالح أبو ظبي وولي عهدها الذي يسعى نحو توسيع نفوذها في المنطقة الأمر الذي عزّز تحالف المحمدين. حاولت عبر هذا التحالف كسر شوكة منافستها التقليدية قطر، ولكن يبدو أن طموح الرجلين سيصل إلى نقطة التقاء قد تؤسس لانقلاب المعادلة بين الجارين.
جديد التطوّرات اليوم في العلاقات القويّة بين البلدين، يتمثّل في الهجوم الإعلامي الذي شنّه الأمير السعودي عبد العزيز بن فهد على الأمير محمد بن زايد والتي أشعلت الجدال ومواقع التواصل الاجتماعي، مستخدماً كلمات نابية ضدّ حليف ولي العهد من قبيل “تافه”، و”حاقد”، و”شيطان”، و”خسيس”. أصغر أبناء الأمير فهد حاول التلطّي تحت عباءة ناشطين إماراتيين تجرّؤا على وضع صورة بن زايد إلى جانب صورة الملك سلمان في العالم الافتراضي كتبت تحتها عبارة “أسود الجزيرة”.
لا ينتابنا أيّ شكّ أن بن سلمان ينظر إلى بن زايد كزميل “أميري”، إن لم يكن كتلميذ ناجح، باعتبار أن العقلية السعودية أثبتت بشكل قاطع أن لا مكان لأي علاقة ندية بين “الشقيقة الكبرى” وأي دولة خليجية أخرى، وبالتالي إن التطوّر الأخير قد يؤسس لواقع جديد في صراع الطامحين خاصّة أنّه لم يسبق أن شهدت مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً من أفراد الأسرة السعودية الحاكمة تجاه حكام الإمارات بهذا الشكل.
ولعل قراءة التجربة القطرية اليوم، تؤكّد أن الطموح الإماراتي في لعب أدوار كبيرة سيؤسس لهذه الخلافات، باعتبار أنّ أي دور إماراتي سيكون على حساب النفوذ السعودي في المنطقة. هذه الحقيقة يمكن قراءتها في الاصطلاح الذي أطلقه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، وزير دفاع الرئيس الأمريكي الحالي على الامارات “اسبرطة الصغيرة” في معرض إشارته إلى مدينة تلعب أدوار الدول، أو كما يقال تمضغ أكثر مما تستطيع أن تبلع.
وعند الغوص في صلب العلاقة بين البلدين لا يمكن التغافل عن ملفات خلافية عالقة تتمثّل في نزاعات حدودية على أراض غنية بالنفط تعتبر أبو ظبي أنها من حقها (تقوم السعودية باستخراج نحو 650 ألف برميل من النفط الخام يومياً من المناطق التي تحتلها من الإمارات، ولهذا تشعر الأخيرة بالتهديد المستمر)، إضافةً إلى امتعاض العديد من أمراء الرياض من أن تصبح السعودية ألعوبة بيد الإمارات عبر استغلال بن زايد لعلاقاته الوطيدة مع ترامب وإدارته. ليس ذلك فحسب، بل تشير وثائق ويكيليكس إلى جانب خفي من العلاقة يحث كان حكام الإمارات يعدّون السعودية عدوهم الثاني بعد إيران. لماذا هذا العداء؟ لإدراكهم أن طموحاتهم ستتعارض في النفوذ السعودي الذي سيسعى إلى تقليم أظافر الإمارات، كما يفعل اليوم مع قطر.
فيما يخصّ تقليم الأظافر، وبعد خلافات حادّة بين جماعات هادي في اليمن وتلك المحسوبة على الإمارات دفعت بالرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي لاتهام بن زايد بالتصرُّف كمحتل لليمن، كشف مصادر عسكرية يمنيّة تفاصيل جديدة عن أهداف القوات السعودية التي وصلت إلى مدينة عدن (جنوبا) مساء الخميس.
وقد أوضحت المصادر أن الوجود العسكري السعودي في عدن، سيحجّم دور الإمارات في المدينة الجنوبيّة، بعد بلوغ التوتر الإمارات والسعودية، عبر حلفاءهم، ذروته، ما يعدّ محاولةً لتقليم الأظافر الإماراتيّة، وفق مراقبين.
السؤال الأبرز، هل ستبدأ المواجهة بشكل فعلي بين الطرفين؟ الظروف الإقليمية تؤكد أن صراع المحمدين الطامحين سيبقى مؤجلاً ريثما يصل بن سلمان إلى سدّة الحكم، ويتمّ التوريث بنجاح. اليوم مرحلة تقاطع المصالح ونبذ الخلافات جانباً مع بعض من التراشق الإعلامي غير الرسمي، إلا أن مرحلة “الملوكة” لبن سلمان، إن تمّت، ستكون مختلفة تماماً. حينها، لا نستبعد انقسام خليجي جديد تشنّه السعوديّة على الإمارات حيث ستلجأ الأخيرة إلى اللعب على الخلاف الأيديولوجي المتعلّق بالمذهب الوهابي، وإبراز السعوديّة “الوهابيّة” أمام العالم وأروقة صنع القرار في واشنطن.
نعتقد أن الإمارات ستكون لها اليد العليا في النهاية كونها باتت بحقّ عرّابة واشنطن الأولى في المنطقة بعد أن نجحت في سحب هذا البساط من تحت السعودية برصيد سياسي بعيد عن الدين واقتصادي بعيد عن النفط.
المصدر / الوقت