التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024

المكاسب الاستراتيجية لتحرير مدينة تلعفر 

بعد تحرير مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى من سيطرة تنظيم داعش، لم يتبقَ للارهابيين سوى منطقة تلعفر، شمال غرب الموصل، ولكن ماذا يعني تحريرها؟ ولماذا انطلقت القوات العراقية نحوها قبل الحويجة أو القائم؟

أعلن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، صباح اليوم الأحد، انطلاق معركة قادمون يا تلعفر لتحرير المدينة من سيطرة تنظيم داعش واتمام تحرير محافظة نينوى، حيث سيشارك في المعركة الجيش العراقي، الحشد الشعبي، الشرطة الاتحادية، جهاز مكافحة الارهاب، طيران الجيش والقوة الجوية العراقية، بعد قرابة اسبوع من بدء العمليات الجوية التمهيدية لتحرير المدينة.

تحرير تلعفر التي تضم تشكيلتها السكانية جميع أطياف الفسيفساء العراقية بمختلف قومياتها واديانها، أثار مخاوف اقليمية وعالمية، تصاعدت مع الاعلان عن مشاركة الحشد الشعبي في العمليات الى درجة أن بعض الفاعلين الاقليميين والدوليين ومنهم تركيا والولايات المتحدة، أعلنوا عن رفضهم مشاركة الحشد الشعبي العراقي في العمليات؛ رغم ذلك شارك الحشد الشعبي العراقي بأمر مباشر من العبادي.

أين تقع تلعفر؟

تعد تلعفر المدينة الثانية في الموصل من حيث الكثافة السكانية، وقدرت احصائيات غير رسمية في عام 2014 عدد سكان المدينة بحوالي 205 الف نسمة، ولكن نسبة كبيرة من السكان نزحت بعد اجتياح داعش للمدينة، ويشكل التركمان الشيعة أغلبية سكان المدينة، ويليهم التركمان السنة ومن ثم الأقليات الأخرى من السنة الأكراد والعرب، وتشير بعض الاحصائيات الى أنه لم يتبقَ في المدينة سوى 400 عائلة واكثر من 1500 عنصر داعشي.

وتبلغ مساحة المدينة 28 كلم وتضم 16 حيا، وتقع على بعد 70 كلم غرب الموصل و 80 كلم الى الجنوب من تركيا، فيما يفصلها عن سوريا 60 كلم فقط. ويمنحها قربها من سوريا و تركيا أهمية كبيرة في الجغرافيا العسكرية، حيث تعد هذه المدينة قلب مثلث الحدود بين العراق، تركيا وسوريا وهمزة الوصل بين البلدان الثلاثة.

أهمية تحرير تلعفر

1-من الناحية الجغرافية

تعد تلعفر من المدن المهمة في محافظة نينوى وتقع شمال غرب الموصل، وتربط مركز المحافظة بسوريا، فيما يُنظر إليها على أنها معبر حدودي بين سوريا والعراق، وتمر جميع اتصالات داعش من سوريا الى العراق عبر هذه المدينة. لذلك سيؤدي تحرير المدينة الى قطع طريق مهم للامداد اللوجستي لتنظيم داعش.

وتقع تلعفر في قلب الطرق الرابطة بين العراق، سوريا وتركيا، وعلى الطرق الاستراتيجية نحو ديالى، صلاح الدين، الموصل وسوريا، وستؤدي سيطرة القوات العراقية على هذه المدينة الى فتح طريق للتماس المباشر بين القوات العراقية وسوريا، وستسيطر القوات الأمنية العراقية على الحدود بين البلدين.

2-على الصعيدين العسكري والأمني:

بعد تحرير الموصل، أصبحت لتلعفر أهمية خاصة بالمقارنة مع المناطق الأخرى التي يسيطر عليها داعش ومنها الحويجة في كركوك، والقائم في الأنبار، حتى أنها أصبحت توصف بالعاصمة المؤقتة لتنظيم داعش في العراق. وزاد من أهمية تحرير المدينة وجود أكثر من 1500 عنصر ارهابي فيها، 600 منهم من الاجانب، بالإضافة الى عدد كبير من القيادات العليا للتنظيم.

وبالنظر الى أهمية المدينة وموقعها الاستراتيجي، سلم متزعم التنظيم الارهابي، أبو بكر البغدادي زمام الأمور الى القيادات الأجنبية، فيما أصبحت تسكنها حوالي 300 عائلة من عوائل ارهابيين جاؤوا من أذربيجان، تركمانستان، اوزبكستان والقوقاز حسب افادات بعض سكان المدينة.

ورغم ان تلعفر محاصرة منذ مدة من قبل الحشد الشعبي العراقي، مما منع التنقل ومن المدينة وإليها، ولكن وجود العناصر الارهابيين يعتبر بحد ذاته تهديدا للمناطق المحيطة بها وحتى للموصل، ومن هذا المنطلق يعد تحرير المدينة خطوة هامة باتجاه تحرير المدينة وانهاء وجود تنظيم داعش في شمال العراق.

وسيؤدي وجود أكثر من 1500 عنصر داعشي، نصفهم اجانب الى جعل مهمة تحرير المدينة صعبة، حيث أن الوقائع التاريخية تشير الى أن العناصر الارهابية الأجنبية غالبا ما تنفذ عمليات انتحارية وتقاتل حتى النهاية في محاولة منها لمنع تحرير المدينة، كما أن وجود قرابة 400 عائلة سيؤدي الى اعاقة تقدم القوات.

وهنا يجب ألا نغض النظر عن هواجس الأكراد، فتلعفر تقع على مسافة قريبة من المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية؛ وكانت أربيل قد سيطرت على أنحاء واسعة من هذه المناطق خلال الحرب على تنظيم داعش، ثم رفض الأكراد الانسحاب منها. لذلك سيثير دخول قوات عسكرية قوية وتابعة للحكومة العراقية الى تلعفر هواجسا كردية؛ وسيهدد تحرير تلعفر الجهود الكردية للسيطرة على منطقتين مهمتين هما ربيعة (معبر ربيعة) وسنجار.

وتعد ربيعة (اليعربية) مدينة عربية بالكامل، أما سنجار فهي مدينة ايزدية، ويسيطر الأكراد على المدينتين حاليا، فيما قد يؤدي تحرير تلعفر لتمهيد الطريق نحو عودة المدينتين الى أصحابهما؛ على أية حال سيؤدي تحرير تلعفر الى استعادة القرى والمدن الصغيرة المحيطة بها، وبالتالي الحد من قدرات داعش على ادارة المعركة بالإضافة الى اغلاق ملف داعش في محافظة نينوى.

وبمعزل عن الأهمية العسكرية والأمنية، فإن مدينة تلعفر تحظى بمكانة خاصة لدى تركيا بالنظر الى موقعها الجغرافي ووجود التركمان فيها. ويرى الأتراك والغربيون أن بناء علاقات ايجابية بين التركمان والاكراد، بصورة خاصة حزب العمال الكردستاني خط أحمر، فيما ينتشر عناصر الحزب في مناطق واسعة من نينوى من ذمار وحتى سنجار، كما أن العلاقة القوية التي تجمع التركمان بشيعة العراق ومنهم قوات الحشد الشعبي والتحاق التركمان بهذه القوة، تعد أسبابا لقلق تركيا حيال مصير المنطقة بعد تحريرها. لذلك تتابع تركيا الأحداث في تلعفر عن كثب حرصا على مصالحها ورضوخا لضغوط أوروبية، ولا تتردد في اتخاذ أي خطوة لمنع الحشد الشعبي من لعب دور رئيس في تحريرها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق