التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

أوروبا تحت هاجس الإرهاب 

تتواصل عمليات الدهس في أوروبا حاصدة المزيد من الأرواح، وهذا سلاح إرهابي يثير الذعر ولا تعرف السلطات والأجهزة الأمنية كيف تتعامل معه.. فالدهس عملية سهلة لا تتطلب اللجوء إلى أسلحة وذخيرة ومتفجرات، فقط مركبات تقاد بسرعة كبيرة للانقضاض على الهدف، حتى بات هذا الأسلوب الأكثر مرونة وسهولة والأقل تكلفة لتنفيذ الأهداف.
وتعد نيس ولندن وستوكهولم وشارلوتسفيل وباريس ومؤخرا برشلونة، أبرز محطات عمليات الدهس بالمركبات، وهذا بدوره انعكس على الحياة العامة الأوروبية التي بات يسيطر عليها شعور من الخوف لا يمكن تجنبه.

نذكر ايضا أن وصية أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم “داعش” الإرهابي، والتي بثها في تسجيل صوتي عام 2014، مازالت تلقى تجاوبا من المتعاطفين مع التنظيم الإرهابي في الغرب، قال فيها: “إذا لم تنجح في إلقاء قنبلة، أو فشلت في فتح النار على مشرك – على حد قوله – فيمكنك طعنه بسكين أو ضربه بالحجر أو سحقه بسيارة”.

أوروبا تحت هاجس الإرهاب و

أوروبا تحت هاجس الإرهاب و”الإسلاموفوبيا”

وخلال أسبوع واحد سجلت حادثة طعن بالسكين في فنلندا وحادثة دهس بشاحنة في إسبانيا، وما حصل في إسبانيا يعتبر امتدادا واستنساخا لما شهدته المدن الفرنسية والأوروبية من عمليات إرهابية في السنتين الأخيرتين، خصوصا منذ شهر تموز الماضي، الذي دشنت فيه عمليات الدهس بواسطة السيارات أو الشاحنات، وكانت أكثرها دموية ما عرفته مدينة نيس الساحلية ليل 14 تموز من عام 2016، حين أوقعت عملية صدم نفذها التونسي محمد لحويج بوهلال بشاحنة تبريد مستأجرة تزن 16 طنا، 68 قتيلا و 458 جريحا.
وتبرز نقاط التشابه مع مقتلة برشلونة التي حصدت 14 قتيلا وأكثر من مئة جريح، من حيث اختيار هدف كثيف سكانيًّا وله رمزية خاصة لجهة وجود مواطنين وسياح من كثير من بلدان العالم، ما يوفر صدى إعلاميا كبيرا.

في أول رد فعل للإسبان على عمليات برشلونة الإرهابية، هجم مجهولون على قنصلية المغرب في طراغونة جنوب برشلونة، حيث ألقوا صباغة حمراء على باب القنصلية وعلى اللافتة التي تحمل اسم القنصلية، كما تعرض مسجد في المدينة ذاتها لعملية تخريبية وكتب على بابه عبارة “ستموتون أيها العرب”.
وعلق الباحث المغربي منتصر زيان، رئيس الشركة المتوسطية للتحليل والذكاء الاستراتيجي، على الحادث بالقول “إنها المرة الأولى التي تتم فيها مهاجمة تمثيلية دولة عربية بوصفها رد فعل على أحداث إرهابية، وأتوقع ارتفاع حدة التوتر بين الجالية المغربية الكبيرة في منطقة برشلونة والسكان الإسبان، خصوصا أن المتهمين الأربعة المعتقلين على خلفية هذه الأحداث كلهم مغاربة، وبدأت بعض المواقع اليمينية المتطرفة في إسبانيا باستغلال الأحداث للمطالبة بطرد المهاجرين وسد الأبواب أمام تدفقهم أمام التراب الإسباني”.

من جانبه، قال عبد الله الرامي، الباحث في المركز المغربي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، “إن هذه العملية ستؤثر لا محالة على سياسة الحكومة المحلية في كاتالونيا، المعروفة بتسامحها الكبير مع المهاجرين، وخاصة مع المغاربيين، مقارنة مع سياسة الحكومة المركزية في مدريد.. فكاتالونيا معروفة بمواقفها المتضامنة مع القضايا العربية وقضايا العالم الثالث بصفة عامة، وفي السنوات الأخيرة ارتفعت وتيرة هجرة المغاربة إلى كاتالونيا، ليصبحوا أكبر جالية فيها هذا التسامح من طرف الحكومة الكاتولونية، وعدم تشددها الأمني في معاملة المهاجرين، سهل الأمر أمام “داعش” لتنفيذ هجماته، وتوقع أن يتغير موقف الحكومة المحلية”.

أوروبا تحت هاجس الإرهاب و

أوروبا تحت هاجس الإرهاب

كتالونيا بوجه عام تُعد معقل “السلفية” حيث تضم نحو 80 مسجداً من أصل مئة، رصدتها أجهزة الأمن الإسبانية، إلا أن عوامل جديدة في الإقليم بدأت تنشأ مثل التجنيد في محيط العائلات والأصدقاء، وخصوصاً انتشار ظاھرة التجنيد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.. وتمثل الجاليات المسلمة في برشلونة نحو نصف مليون شخص غالبيتهم ينحدرون من أصول مغربية وباكستانية وعدد من القادمين من الجزائر والسنغال والدول الأفريقية.

وتشير التقارير الواردة من أجهزة الأمن الإسبانية إلى أن وجود الجاليات المسلمة خلق في أوساطها خلايا متعاطفة مع الأفكار الجهادية، وخصوصاً مع عمل جمعيات خيرية إسلامية تدعو إلى التطرف وتتعارض في أفكارها مع مبادئ المجتمع الإسباني وتحصل على تمويل خارجي رصدته الأجهزة الأمنية في إقليم كتالونيا.. ويوجد في إسبانيا بشكل عام نحو 1260 مركزاً إسلامياً.

الباحث الفرنسي في شؤون الإرهاب والأستاذ في المعهد الفرنسي للعلوم السياسية جان بيار فيليو، يقول:” إن برشلونة وضاحيتها ومنطقتها إحدى كبرى ثلاث بيئات حاضنة للوجود “الجهادي” في إسبانيا، حيث إن البيئة الثانية تتمثل في العاصمة مدريد ومحيطها، والثالثة في جيبي سبتة ومليلة الواقعين على التراب المغربي. ويذهب فيليو إلى اعتبار أن إسبانيا التي عرفت في عام 2004 أكبر عملية إرهابية في أوروبا ( 191 قتيلا ومئات الجرحى) تلعب دور “القاعدة الخلفية للجهاديين”.

ويشدد مدير مركز “سيغر شتات” لدراسة التطرف الديني كريستر ماتسون “أن اكتشاف الأشخاص الأكثر عرضة للتطرف كان في السابق يشبه البحث عن إبرة في كومة قش، الأمور تبدلت الآن بالكامل”، وبرأي الخبير الأمني كلاس نيلسون “أن ھناك إجماعاً عاماً بأن سياسة الھجرة المتبعة حتى الآن يجب أن تتبدل بعد أن أصبحت نتائجھا خطيرة على الأمن القومي للدولة”.

أوروبا تحت هاجس الإرهاب و

أوروبا تحت هاجس الإرهاب و”الإسلاموفوبيا”

وتوصلت الأبحاث التي استمرت لسنوات طويلة إلى أن الخوف يمكنه إحداث انقسام مجتمعي، وبث السموم، وكذلك بث روح الخوف من الأجانب، مما يجعل الناس تتجاھل القيم المھمة التي تربوا عليھا، واللجوء إلى ھذا النوع من الاعتداءات التي تستخدم فيھا معدات نراھا في حياتنا اليومية يمكنه أن يعزز من ھذا التأثير.

فالعمليات الإرھابية التي ضربت عواصم أوروبية متعددة دفعت إلى تبدل مزاج الرأي العام السويدي أيضاً إزاء اللاجئين والمھاجرين، فقد رصدت الأجھزة الأمنية السويدية ظاھرة تنامي التطرف في أوساط الجاليات العربية والإسلامية، ووفق تقرير تسربت بعض تفاصليه الى الصحف المحلية أن مجموعات من “المتطرفين الإسلاميين” تشكلت ونمت داخل السويد وھي تؤيد وتدعم نشاطات الجماعات الإرھابية مثل “داعش” و”القاعدة”، وتريد استغلال الفرصة السانحة لإثبات وجودھا، وھؤلاء الاسلاميون ينتمون وفقاً لما ورد في التقرير الى واحدة من الجماعات السلفية الجھادية التي دعت مراراً عبر الإنترنت إلى القيام بأ عمال عنف انتقامية داخل السويد.

وتنشط في السويد جمعيات إسلامية متعددة من بينھا وأقدمھا الرابطة الإسلامية في استوكھولم التي تأسست العام 1980، ولكن الانقسامات سادت صفوفھا وتسببت في ظھور جمعيات أخرى، مثل رابطة الجمعيات الإسلامية (FIFS) واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية IKUS واتحاد الطائفة الشيعية ISS وتجتمع كلھا تحت منظومة تسمى مجلس التعاون الإسلامي في السويد.

وبالمقابل، ينشط في السويد تيار شعبوي تزداد شعبيته ويتنامى نفوذه على خلفية انتشار التطرف والعنف والجريمة المنظمة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية.. فتوحدت الأحزاب اليمنية المتطرفة المناھضة للاجئين والمھاجرين وشكلت تحالفاً ضم الحزب الديمقراطي السويدي وحزب يمين الوسط المحافظ، واصبحوا أكبر تجمع سياسي معارض لحكومة يسار الوسط التي تضم حزبي الديمقراطي الاجتماعي والخضر.

وأظھر تقرير صادر عن شبكة المنظمات الأوروبية غير الحكومية والشبكة الأوروبية لمناھضة العنصرية (ENAR) تكريسا لمظاھر العنصرية والتمييز في سياق الھجرة شمل 26 بلداً في الاتحاد الأوروبي.
السويد التي تعد من أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي انسانية وانفتاحاً في تعاطيھا مع اللاجئين والمھاجرين بدأت تغير سياساتھا الخاصة بالھجرة.. وبدأت تتجه ھي الأخرى بعد ألمانيا وفرنسا وغيرھا من البلدان الأوروبية الى تشديد قوانين اللجوء، والتوقف بالكامل عن استقبال المزيد من اللاجئين والمھاجرين.

باختصار، إن أخطر ما في إرھاب اليوم ھو سرعة استجابته لمتغيرات واقعه، وھو ما نراه خصوصاً في موجة الإرھاب الفوضوي الذي دشنه “داعش” بعد سقوطه، وبدأنا نلمس استراتيجية جديدة لاستھداف أوروبا، عبر تجنيد العائدين من التنظيم.

وتخشى السلطات الأوروبية من نتائج تزايد وتنامي النزعات العنصرية ومعاداة الأجانب والإسلاموفوبيا والتطرف الديني والنزعات الانعزالية، ما يعكس فشل سياسة الاندماج التي اتبعتھا الحكومات المتعاقبة، وتفتح الباب لصراع طائفي مذهبي تكون الساحة الأوروبية مسرحاً خصباً له.
بقلم / سركيس ابو زيد

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق