معركة القلمون؛ التحرير الثاني في لبنان.. المعطيات والتداعيات
بعد الانتصار الكبير الذي حققه الجيشان السوري واللبناني وقوات حزب الله في ارتفاعات “القلمون” و”عرسال” الذي أدى في النهاية إلى إخراج عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي من المنطقة، والذي أطلق عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عنوان “التحرير الثاني” في لبنان، برز مرة أخرى وبشكل واضح دور محو المقاومة في التصدي للجماعات الإرهابية في عموم المنطقة.
وهذه ليست المرة الأولى الذي يسفر فيه التعاون بين الجيشين السوري واللبناني عن تحقيق ثمرة مهمة تمثلت في الحاق هزيمة منكرة بالإرهابيين.
وهذا التحرير هو الثاني بعد تحرير جنوب لبنان من الكيان الصهيوني على يد المقاومة في عام 2000، ويعتبر هذا الانتصار بمثابة امتداد لجهود المقاومة في التصدي للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة برمتها.
واكتسبت هذه المعركة أهمية كبيرة من عدّة نواحي يمكن تلخيصها بما يلي:
تعاون الجيشين السوري واللبناني وحزب الله
يمكن القول بأن أبرز ما أفرزته عمليات القلمون الغربية يكمن بأهمية التعاون والتنسيق العالي بين الجيشين السوري واللبناني وقوات حزب الله. فهذا النموذج الراقي من التنسيق قد أثبت نجاحه بشكل واضح ولعدّة مرات.
وإذا أمعنا النظر في التيارات الإرهابية التي تنشط في الوقت الحاضر بأسماء مختلفة في سوريا والعراق نرى أنها تشكل في الحقيقة امتداداً للتيارات المتطرفة والتكفيرية التي ظهرت في السابق في أفغانستان والتي كان من أبرزها ما يسمى تنظيم “القاعدة”.
وهذه الجماعات كان لديها تنسيق مباشر وغير مباشر طيلة العقود الأربعة الماضية، وهي تتقن تنفيذ مختلف أنواع العمليات الإرهابية، وبمعنى آخر أنها تعرف بعضها الآخر بشكل جيد.
في مقابل ذلك وفّرت الأزمة الداخلية في سوريا والعراق فرصة تاريخية لتوحد محور المقاومة في عموم المنطقة للقضاء على الجماعات الإرهابية رغم الأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بالشعبين السوري والعراقي. وأظهرت معركة القلمون الغربي ذروة هذا الاتحاد والتعاون بين فصائل المقاومة التي تؤدي دورها في التصدي للإرهاب على أفضل وجه.
انتهاء الدعم اللوجستي للإرهابيين في لبنان
أدى تطهير الحدود السورية – اللبنانية، خاصة في الجانب اللبناني، إلى سلب قدرة الإرهابيين على إعادة تنظيمهم وترتيب قواهم مرة أخرى في هذه المنطقة، حيث كانت تمثل جرود القلمون وعرسال مركزاً للتدريب والدعم اللوجستي وعلاج جرحى الجماعات الإرهابية والتكفيرية. وفي الوقت نفسه كانت تشكل منطلقاً للعمليات الإرهابية في سوريا، إلاّ أن المقاومة تمكنت من تطهير هذه المنطقة في عمليات القلمون وإخراج الإرهابيين بشكل نهائي من لبنان.
تثبيت دور حزب الله، وتعميق الخوف لدى الكيان الإسرائيلي
مما لاشك فيه وبعد مرور ست سنوات على اندلاع الأزمة السورية والتي امتدت فيما بعد إلى العراق، يمكن القول بأن القضاء على محور المقاومة خصوصاً حزب الله كان يمثل الهدف الرئيس لهذه الأزمة، وكانت الدول والأطراف الداعمة للإرهابيين تعوّل كثيراً على هذا الدعم من أجل إلحاق الهزيمة بمحور المقاومة أو إشغاله على الأقل بالأزمة السورية، إلاّ إنّ هذه الخطة قد فشلت فشلاً ذريعاً بفضل التجربة الكبيرة التي يمتلكها حزب الله في خوض الحروب غير التقليدية وقراءته الصائبة لما يحيكه الأعداء من خطط ضد دول وشعوب المنطقة.
ومن الثمار الأخرى والمهمة لمعركة القلمون هو زرع الخوف في نفوس قادة الكيان الصهيوني، وهو ما أقر به مسؤولو هذا الكيان وفي مقدمتهم رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” الذي صرّح بأن إيران التي تدعم محور المقاومة قد قامت بإنشاء مصانع في سوريا ولبنان لإنتاج الصواريخ ذات الدقة العالية في التصويب، وهذا الأمر يشكل بحد ذاته نقطة قوة كبيرة لمحور المقاومة في أي مواجهة محتملة ضد كيان الاحتلال في المستقبل.
خلاصة يمكن القول بأن الانتصارات الكبيرة والمتتالية التي حققها محور المقاومة في مدينة الموصل وقضاء تلعفر بشمال غرب العراق وفي مناطق كثيرة من سوريا والتي كان آخرها في القلمون الغربي على الحدود اللبنانية – السورية تشكل بشارة أمل كبيرة بانتهاء الفتنة التكفيرية في عموم المنطقة.
لكن لابد من التحذير بأن هذا لايعني أبداً انتهاء ظاهرة الإرهاب في المنطقة بشكل تام لأن الجماعات الإرهابية التي هي وليدة التطرف، ونتيجة الدعم الذي تتلقاه، لازالت تشكل خطراً لايمكن الاستهانة به بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المضطربة في عدد من دول المنطقة والتي يتطلب حلّها جهوداً مضاعفة، باعتبار أن الفقر والجهل والإضطرب السياسي يوفر أرضية خصبة للجماعات المتطرفة تمكنها من معاودة عملياتها الإجرامية ضد شعوب ودول المنطقة.
ومن المهم جداً أن يدرك الجميع بأن محور المقاومة ومن خلال انتصاراته المتتالية قد تمكن من تخطي الفتنة الطائفية والقومية في المنطقة، وافشل المخطط الذي كان يرمي لكسر شوكة المقاومة وتهيئة الظروف للتطبيع بين الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية في المنطقة.
المصدر / الوقت