قطر والسعودية والسرّ في تراشق التهم حول الاتصال الهاتفي المثير للجدل
لكلّ من السعودية وقطر رواية خاصة حول الحوار الذي دار بين تميم وبن سلمان، والطريف أنّ ادعاء قطر أثار سخط السعودية وحلفائها، وادّعاء السعودية أثار حفيظة القطريين مما تسبب في تأزم الأوضاع بشدة وعودة الخلافات من جديد، ومنذ البارحة شنت وسائل الإعلام التابعة للسعودية والإمارات هجمات محمومة ضد قطر.
توقع بعض المراقبين أنّ المكالمة الهاتفية بين أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني وبين ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان ستلطف الأجواء المتوترة بين قطر من جهة وبين السعودية وحلفائها الثلاثة من جهة أخرى، فقد كان من المنتظر أن تدخل العلاقات مرحلة جديدة تقلل من وطأة الخلافات المحتمدمة، ولكن في اللحظات الأخيرة تداولت وسائل الإعلام العالمية أخباراً حول تكذيب كلّ طرف الآخر فيما يخص مضمون هذه المكالمة الأمر الذي أعاد الأزمة إلى المربع الأول بعد ثلاثة أشهر من اندلاعها.
لكلّ من السعودية وقطر رواية خاصة حول الحوار الذي دار بين تميم وبن سلمان، والطريف أنّ ادعاء قطر أثار سخط السعودية وحلفائها، وادّعاء السعودية أثار حفيظة القطريين مما تسبب في تأزم الأوضاع بشدة وعودة الخلافات من جديد، ومنذ البارحة شنت وسائل الإعلام التابعة للسعودية والإمارات هجمات محمومة ضد قطر.
يذكر أنّ وكالة الأنباء القطرية أفادت بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجرى يوم الخميس الماضي اتصالاً هاتفياً مع أمير قطر تميم بن حمد وطلب منه التعاون لوضع للأزمة تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي لأجل التصدي للمدّ الإيراني حسب زعمه، وذكرت الوكالة أنّ تميم وافق على طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتعيين ممثل يتولى مهمة بحث الأوضاع الحالية ووضع حل للأزمة بين الطرفين دون التجاوز على سيادة قطر، في حين أنّ مصدراً رفيع المستوى في وزارة الخارجية السعودية صرح بالحرف الواحد أنّ التحريف القطري لمضمون المكالمة الهاتفية دليل بارز على عدم جدّية الدوحة لوضع حل للأزمة، ومن هذا المنطلق فالرياض قررت مع حلفائها الثلاثة تعليق الحوار مع الجانب القطري حتى تبادر حكومة الدوحة بإصدار بيان رسمي تحدد فيه موقفها الحقيقي، وجاء في هذا التصريح: “بدلالة تحريف مضمون الاتصال الذي تلقاه سمو ولي العهد من أمير دولة قطر بعد دقائق من إتمامه، فالاتصال كان بناءً على طلب قطر وطلبها للحوار مع الدول الأربع حول المطالب، ولأن هذا الأمر يثبت أن السلطة في قطر ليست جادة في الحوار ومستمرة بسياستها السابقة المرفوضة، فإن المملكة العربية السعودية تعلن تعطيل أي حوار أو تواصل مع السلطة في قطر حتى يصدر منها تصريح واضح توضح فيه موقفها بشكل علني، وأن تكون تصريحاتها بالعلن متطابقة مع ما تلتزم به، وتؤكد المملكة أن تخبط السياسة القطرية لا يعزز بناء الثقة المطلوبة للحوار”.
وأفاد المصدر أنّ الرياض سوف تنشر تفاصيل أكثر حول الموضوع بعد التشاور مع البلدان الحليفة لها في مقاطعة الدوحة وكسب موفقتها، وهي الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين.
وحسب التصريحات لطرفي الخلاف فإنّ كلّ واحد منهما يدعي تأييد التحركات الدبلوماسية لحلحلة الأزمة، لكنّ البيانات الصادرة منهما تدل على نوع من الكبرياء والأنفة، حيث يسعى السعوديون والقطريون الظهور بمظهر المتفوق على صاحبه.
وبغض النظر عن اختلاف الروايات السعودية والقطرية حول هذه الأوضاع المتأزمة، هناك بعض النقاط التي توضّح أسباب احتدام الخلافات، وهي بالنسبة إلى الجانب القطري كما يلي:
1 ) تظاهر قطر بأنّها صاحبة التفوق: الرواية القطرية حول ما جرى في الاتصال الهاتفي بين تميم بن حمد ومحمد بن سلمان تحكي عن أنّ الدوحة تريد أن تشعر البلدان العربية الأربعة المناهضة لها بأنّها على أهبة الاستعداد لدخول المحادثات عبر اتخاذ موقف مشابه لا يقل عما اتخذ تجاهها، لذا على الساسة القطريون إثبات عكس ما تدعيه وسائل إعلام الطرف المقابل بضعف موقفهم وهزيمتهم في هذه الأزمة، أي أنّهم يرومون التأكيد على كونهم ما زالوا المنتصرين في هذا المعترك.
2 ) إثبات الدوحة عقم الحظر الاقتصادي المفروض عليها: تحاول قطر في خضم هذه الأزمة التأكيد على أنّ الحظر الاقتصادي السعودي العربي المفروض عليها عقيم ولا ثمرة له، ولا سيما أنّها تمكنت حتى الآن من اتخاذ دبلوماسية فاعلة على الصعيد الدولي، حيث حققت تقارباً أكثر مع تركيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية بغية التخفيف من عبء الحصار الاقتصادي لأعدائها ولكي تفشله من أساسه.
3 ) تنسيق الدوحة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: الرسالة التي تريد قطر توجييها إلى البلدان الأربعة المناهضة لها أنّها وافقت على الحوار بتنسيق مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي هذا الصدد فهي تريد إثبات أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تسايرها وتؤيدها، وفي الحين ذاته تروم إعلام العالم بأنّ الحصار الاقتصادي المفروض عليها ليس هو السبب الكامن وراء موافقتها في الجلوس على طاولة المحادثات.
4 ) تأكيد الدوحة على أهمية الحلّ السياسي: أعلنت الدوحة مؤخراً أنها راغبة في وضع حلّ سياسي للخلافات مع البلدان الأربعة، ومن هذا المنطلق فالساسة القطريون يريدون إثبات أنّ الطرف المقابل هو من يضع عقبات وعراقيل أمام المحادثات والوساطات الدولية.
5 ) سعي الدوحة للحفاظ على استقلالها وسيادتها: الدوحة لدى تأكيدها على ضرورة إجراء محادثات لوضع حلّ للأزمة مع السعودية وحلفائها، اشترط عدم المساس باستقلالها وسيادتها.
وأما بالنسبة إلى الجانب السعودي فالموقف يمكن اختصاره في النقاط التالية:
1 ) ادعاء أن الرياض لها اليد الطولى في احتواء الأزمة: السعودية حالها حال قطر، فهي تحاول تلقين الرأي العام العالمي بأنّها متفوقة في موقفها بالنسبة إلى المحادثات، حيث يدعي الساسة السعوديون بأنّهم وافقوا على ذلك بطلب من الدوحة وبدعوة من حلفائهم، وهذا التفوق المزعوم واضح في البيان الذي أصدرته وسائل الإعلام الرسمية السعودية، لكنه فرحة لم تدم طويلاً! فقد تصور السعوديون أنّ الاتصال الهاتفي بين محمد بن سلمان وتميم بن حمد سيعكس تنازل الدوحة وضعف موقفها بحيث تدخل المحادثات وهي مكسورة الجناح، ولكنهم فوجؤوا بموقف صعب من قبل القطريين مما جعلهم في حرج من أمرهم وهم الذين يزعمون قيادة بلدان مجلس التعاون في الخليج الفارسي، وحتى قيادة العالم العربي بأسره.
2 ) تلقين الرأي العام بأنّ الضغوط التي مورست ضد الدوحة قد آتت أكلها: الساسة السعوديون حاولوا إيهام الرأي العام المحلي والعالمي بأنّ الضغوط الشديدة التي مارسوها ضد الحكومة القطرية قد أثمرت عن نتائج مريحة ومرضية لهم بحيث أجبروا القطريين على الإذعان إلى الجلوس على طاولة المحادثات، لذلك رحبوا في بادئ الأمر بقبول الدوحة في إجراء محادثات دبلوماسية، لكنّهم بعد أن لاحظوا جدية موقف الدوحة وعدم تنازلها عن مطالبها الثابتة وعدم تخليها عن رؤيتها الاستعلائية تجاه أعدائها، سرعان ما تقهقروا وأطلقوا تصريحات نارية وطلبوا من حلفائهم بتعليق الحوار مع القطريين.
3 ) الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر حليف للسعودية وليست قطر: ربما يكون قرار قطر في إجراء أميرها اتصالاً هاتفياً مع ولي العهد السعودي والذي اتخذ بطلب أمريكي، أي بدعوة من دونالد ترامب، لا يروق لساسة الرياض لأنّهم يعتبرون أنفسهم الحليف الأول للبيت الأبيض في المنطقة وبالتالي فهم لا يرغبون بأن تنافسهم الدوحة في هذا الأمر.
استناداً إلى جملة ما ذكر، نستنتج أنّ لكلّ من الدوحة والرياض أهداف مختلفة من وراء الاتصال الهاتفي بين ولي العهد السعودي والأمير القطري، لذلك فهو بدل أن يسفر هذا الاتصال عن تلطيف الأجواء وتقليل التوتر، فقد تسبب في احتدام الأزمة وتفاقم الأوضاع أكثر مما مضى بحيث غرس اليأس في اتخاذ أي موقف إيجابي إزاء مجريات الأحداث وتسبب في تعقيد الأوضاع أكثر من السابق.
ولننتظر ونترقب ما إن كانت مساعي الوساطة الكويتية والأمريكية على صعيد الأزمة بين الدوحة والبلدان الأربعة المتمثلة بالسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين، ستثمر عن نتائج إيجابية وتقلل من وطأة الأوضاع التي تتفاقم يوماً بعد يوم، أو أنّها ستبقى هواءً في شبك.
بقلم / حسن رستمي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق