كيف تسعى واشنطن لإحكام قبضتها على الجماعات المسلّحة؟!
تاهت الجماعات المسلحة في سوريا وأضاعت بوصلتها إن كان لديها بوصلة وغرقت في وحل صراعاتها الداخلية وعاشت مراحل متذبذبة على مدار السنوات السبع من تاريخ الازمة السورية وحاولت جاهدة أن تصنع نصرا حقيقيا على الارض او في السياسة ولكنها فشلت في تحقيق ذلك لاسباب عديدة من أهمها: عجزها عن تشكيل قيادة موحدة أو التوحد مع بعضها تحت ايٍ ظرف من الظروف بل على العكس تماما اذ غرقت في صراعات داخلية أنهت الكثير من فصائلها ومجموعاتها، ليبقى الرابح الأكبر مموليها وداعميها الذين يتلاعبون بهذه الجماعات المسلحة ويستغلونها لتحقيق مصالحهم السياسية والعسكرية.
واشنطن تتلاعب
لا يخفى على أحد موضوع دعم الولايات المتحدة للجماعات المسلحة في سوريا واستغلالها لمصالحها الشخصية ومن ثم الاستغناء عنها عند تحقيق غاياتها وأهدافها، فهل حققت واشنطن طموحاتها واهدافها في سوريا وما هو مصير هذه الجماعات المسلحة في المستقبل القريب وهل سيكون لها دور سياسي في المرحلة المقبلة أم إنها مجرد ورقة تم استخدمها لغايات محددة وسيتم الاستغناء عنها قريبا؟!.
أولاً: يشير الاتفاق الروسي- الأمريكي- الأردني الذي تم التوصل إليه مؤخرا إلى أن الفصائل المسلحة في الجنوب السوري انتهى دورها العسكري، حيث توصل الاتفاق الى انسحاب فصائل “أحمد العبدو” و”أسود الشرقية” من ريف دمشق الجنوبي الشرقي ينص على مرحلتين: تقضي المرحلة الأولى بوقف جميع العمليات القتالية ضد الجيش السوري وانسحاب الفصائل إلى الأراضي الأردنية، أمّا المرحلة الثانية فتقضي بانسحاب القوات الأجنبية من قاعدة التنف على الحدود الأردنية السورية، حيث تبقى هذه المنطقة منزوعة السلاح حتى تتم تسوية أوضاع النازحين وتسليم معبر نصيب إلى الحكومة السورية، وستستلم القوات السورية جميع نقاط الفصائل وعددهم 900 باستثناء منطقة التنف، في وقت يترك فيه المسلحون مواقعهم بعد إجلاء قادتهم وهذا يساهم في إنجاح تقدّم القوات السورية.
هذا الاتفاق يشير الى عدة أمور أهمها عجز الجماعات المسلحة وداعميها عن تحقيق أي تقدم أو نصر في الجنوب السوري وفشل داعميها وفي مقدمتهم واشنطن في إبقاء هذه الجماعات هناك لأن وجودها عديم الجدوى لذلك لم يكن أمام الولايات المتحدة سوى سحب الاسلحة من هذه الجماعات واستغلالها بشكل آخر عن طريق نقلها إلى الشدادي للانضمام لقتال داعش بريف الحسكة الجنوبي ودير الزور.
ثانياً: تعي أمريكا أن الورقة الكردية في سوريا غير كافية لتحقيق أهدافها، لذلك كان لابد لها من اللعب على الجانب السياسي لحفظ ماء وجهها بالدرجة الأولى ومحاولة الحصول على ميزات أو مكاسب في الميدان خاصة بعد أن تمكن الجيش السوري وحلفائه من التقدم في شمال شرق سوريا وفك الحصار عن مدينة دير الزور وتحقيق نصر لم يكن في حسبان العم سام، لذلك كان لابد له من تغيير الخطة بعد سقوط مشروعه العسكري في سوريا.
ثالثاً: جاء كلام مبعوث الأمم المتحدة لمحادثات السلام السورية ستافان دي ميستورا يوم الأربعاء الفائت صادم للمعارضة المسلحة وقادتها حيث قال “إن على المعارضة السورية قبول أنها لم تنتصر في الحرب المستمرة منذ ستة أعوام ونصف العام على الرئيس السوري بشار الأسد”، وأضاف “القضية هي هل ستكون المعارضة قادرة على أن تكون موحدة وواقعية بالقدر الكافي لإدراك أنها لم تفز بالحرب؟”، هذا الأمر تعيه واشنطن بشكل جيد لذلك بدأت بالسعى لاستغلال الجماعات المسلحة بطريقة آخرى.
رابعاً: خسر مقاتلو المعارضة المسلحة الكثير من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها منذ بدء محادثات السلام لإنهاء العنف في سوريا، بما فيها حلب التي استعادها الجيش السوري وحلفائه بعد أن كانت معقلا للمعارضة. ومع تراجع وضع مسلحي المعارضة، يقول خبراء إن النظام لا يواجه ضغوطا لتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، خصوصا بالنسبة لمسألة مستقبل الرئيس الأسد.
مما تقدم نجد أن واشنطن أصبحت على قناعة تامة بأن سياستها العسكرية لن تكون مجدية في ظل هذا التقدم الكبير للجيش السوري في جنوب وشمال شرق سوريا واحكامه السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، لذلك لم تجد أمامها سوى السعي لاحكام قبضتها من جديد على الجماعات المسلحة علها تستغلها سياسيا أو تستخدمها طعم لمخططاتها القادمة، فضلا عن محاولاتها تبخيس النصر السوري، وبالتالي ستعمد واشنطن إلى إجراءات اقتصادية تعرقل عملية اعادة الإعمار.
المصدر / الوقت