لماذا يُفضِّل الطفل أحد والديه على الآخر
ما إن يبدأ الطفل في نطق كلماته الأولى حتى تبدأ المنافسة الطريفة بين الأم والأب على من سينطق الطفل باسمه أولا، في هذا الوقت المبكر قد لا يعني الاسم للطفل شيئًا، إلى أن يتشكل وعيه ويبدأ في ربط الاسم بالشخص.
حين يكبر قليلا-بداية من سن الثانية أو الثالثة- قد نلاحظ تعلق الطفل بالأم أو الأب، وأحيانا رفضه للطرف الآخر، وقد يمضي الأمر سريعا عند بعض الأسر وقد يستمر لفترة أطول مسببا شعورا محبطا للطرف الآخر عند بعض الأسر وفقا للفترة التي يستمر لدى الطفل فيها هذا الشعور، ربما تتوقع أن يبدأ طفلك في الاستغناء عنك مع وصوله إلى سن المراهقة، لكن يصدمك أنه بدأ بالفعل يستغني عنك وهو بعد لم يدخل المدرسة.
الموقف – وإن نظر إليه بعض الآباء بعين العطف – قد يكون مؤلما بعض الشيء للبعض الآخر، لكن ـ وبحسب إيثار جمال في ساسة بوست ـ لا يجب عليك التصرف كما لو كنت أول الآباء (أو الأمهات) الذين يواجهون ذلك ففي استطلاع أجري مؤخرا في موقع Parents كشف أن 90 % من الآباء والأمهات يقولون إن أبناءهم يفضلون أحد والديهم على الآخر في بعض الأمور.
في السطور القادمة نتناول آراء الخبراء في هذا الموضوع وما قد يشير إليه، وكيف يمكننا التعامل معه:
ماذا يعني الأمر؟
يُعرف الأطفال في سن الثانية والثالثة بتفضيلاتهم الحادة والمتقلبة في الوقت نفسه، تجدهم يطلبون وجبة جبن مثلا كل يوم لأسبوع، ثم تتغير رغبتهم وتبدأ أخرى يطلبون اللحم كل يوم، وفي الأسبوع التالي تكون وجبة مختلفة تماما هي ما يرغبون بأكلها دوما. لذلك حين يقول لك أو لكِ الطفل «اذهبي .. أريد أبي» فالأمر ليس شخصيا ولن يستمر طويلا.
لكن الخبر الجيد في هذا الأمر أن فكرة التفضيل فعليا علامة على عاطفة ونمو إيجابي، وهذا يساعد طفلك في اكتشاف العلاقات والتدرب على مهارات اتخاذ القرار، ويدعم استقلاليته. وإذا ما عالجت الأمر بصورة جيدة فستخرج منه الأسرة بعلاقة أقوى بين جميع أفرادها. والحقيقة فإن الطفل في تعبيره عن تفضيله لغيرك، علامة على قربه منك، إنه يشعر بأمان كافٍ نحو حبك له، جعله واثقا من أنه وإن نبذك فإن استقبالا دافئا منك سيكون في استقباله متى ما قرر العودة لك.
تجربة الطفل مع التفضيل والبعد عنك والاقتراب من الطرف الآخر علامة مؤكدة على نمو الذاكرة والتخيل لديه. إنه يشير لقدرته على تطوير علاقة خاصة بمفرده، وعلى إدراكه لأن قضاء الوقت مع أحد والديه يعني أنه سيحصل على كل اهتمامه.
كما يشير أيضا إلى أنه قد تعلم كيف يصوغ مشاعره ورغباته في كلمات يعبر عنها، ويصنع اختياراته، ويمارس تأثيره على بيئته المحيطة، وكلها خطوات مهمة في نموه.
ما هي الأسباب المحتملة؟
قبل أن نفهم كيف يحدث هذا الميل من المهم أن نفهم كيف ينمو الطفل وتتطور شخصيته في سنوات عمره الأولى، فتجارب الطفل تكوّن في اللاوعي لديه أهدافًا هي التي تشكل لاحقًا أسلوب حياته وتحكم اختياراته. وهذه الأهداف في لا وعي الطفل تحدد بشكل كبير الطرف الذي يميل الطفل إليه، فالطرف المفضّل لديه غالبا هو الطرف الذي يود الطفل أن يكون مثله حين يكبر.
هناك بعض الأسباب المحتملة إذن، فإذا نما الطفل في بيئة أسرية تعلمه أن الذكر مفضل بشكل عام عن الأنثى فالأكيد أنه سيميل أكثر للأب، حتى البنات في هذه الأسر يقلدن الآباء، لهذا ليس من المستغرب وجود بنات يتصرفن وكأنهن أولادا. وإذا كانت الأم هي المحرك الأساسي في الأسرة فالأطفال يميلون إليها أكثر سواء الأولاد أو البنات أيضا، وهذه البيئة لا تتسبب في ذلك فقط لكنها تتسبب في اعتقاد الطفلة أن الأمهات يجب أن يكنّ صاحبات القرار في المنزل وليس الآباء.
أحد الأسباب تحدث إذا بدا للطفل أن أحد والديه أكثر لطفًا –طبقا لتقديره هو- فسيكون أكثر ميلًا له وسيحاول أن يكون مثله، مثلًا إذا كان لدى الأب حياة مليئة بالأصدقاء والنجاح في العمل بينما الأم تقبع في الصفوف الخلفية فسينجذب الطفل للأب ويحاول أن يتصرف مثله.
هناك سبب آخر، فبعض الأمهات يحرصن على السيطرة بالكامل على حياة أطفالهن، وعلى أن يكنّ هن فقط مصدر التأثير الوحيد عليهم دون اعتراف بضرورة تأثرهم بشخص آخر، تكون لدى الأب كل الرغبة في المشاركة لكنه يشعر بأنه مستبعد، ويجب عليه هنا في حال رغبته أن يتحلى بالصبر والمثابرة والمهارة لاستعادة دوره.
كما أنه يحدث أيضا عندما تقوم الأم وحدها بدور تعليم الطفل والاعتناء به ومواجهة كل المواقف معه، والتعامل مع نوبات غضبه، بينما يقتصر دور الأب بعد عودته من عمله على الاستمتاع باللعب والمرح مع الطفل وتدليله، فنحن منذ الصغر يكون علينا تعويد الطفل على العادات والالتزام بالمواعيد والنظام، وإذا قام طرف وحده – الأب او الأم – بهذا الدور دون مشاركة الآخر رغم تواجده فستحدث المشكلة.
كيف يمكننا أن نتصرف؟
سواء كنت الطرف المفضل الذي نال محبة الطفل أم كنت الطرف الذي تم استبعاده، فلديك مهمة لتعيد الأمور كما كانت.
إذا كنت الطرف المفضل فحاول أن تترك المنزل لتدع وقتا للطرف الآخر يتفاعل فيه مع الطفل ويقتربا فيه ثانية، وحاول في الأوقات الأخرى التي تقضيها مع الطفل أن تمدح أمامه الطرف الآخر بجمل مثل «بابا يحبنا حقا، ألسنا محظوظين بأنه معنا؟».
أما إذا كنت الطرف الآخر، حاول حين يلعب الطفل أن تكون بقربه، تابعه وجرب أن تشاركه اللعب، ستجد ترحيبا منه إن جلست على الأرض متابعا له، جرب أيضا أن تخلق مهامًا جماعية بينكما، أن تدعوه ليفرغ معك سلة الورق، أو ترتيب الدولاب، أو العناية بنباتات الشرفة.
وتتجنب تماما أن تقول لشريكك عن الطفل جملا مثل «صديقك أو « حبيبك لأنها تزيد الأمر سوءا، وتؤثر على خيال الطفل الذي لم ينضج بعد.
وبشكل عام فإن أبرز ما ينصح به الخبراء كلا الأبوين هو :
أن يتقاسم الأبوان مسؤولية إظهار السلطة ووضع الحدود المناسبة لعمر الطفل.
من المهم أن يظهر الأبوان أمام الطفل الاتحاد والحنان والاحترام لبعضهما، وألا يظهر له تنافسهما على حبه أو اهتمامه.
لا يجب أن تأخذ الأمر على محمل شخصي، ولا يجب أن يكون رد فعلك على مواقف الطفل بإظهار الرفض أو الغضب؛ لأن ذلك يؤلم الصغير، الأفضل هو أن تواصل التصرف كأنك لم تلاحظ الأمر، وتحاول بصبر أن تجذب الطفل إليك ليشاركك الأنشطة.
من الضروري أن تلاحظ جيدا الموقف الذي سبب هذا الشعور لدى الطفل، فأحيانا تكون الغيرة من المولود الجديد، أو أي موقف آخر يزعجه، يجب أن تسل هذه الملاحظة لتعالج الموقف بأفضل الطرق.
عواقب أن يتعلق الطفل بك
في الغالب لا يسبب تعلق الطفل بأحدكما مشكلة تذكر، فهي تنمي الكثير من الجوانب في شخصية الطفل، أما إذا استمر الأمر وشعرتما بأن الطفل متعلق أكثر من اللازم بأحد الطرفين، فعليكما البحث عن الأسباب الأكثر عمقا وراء ذلك؛ لأن لها تأثير بالتأكيد على نموه وتطور شخصيته.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق