اسرائيل تجتر تهديداتها.. وحزب الله يواصل انتصاراته
اعتاد المسؤولون الاسرائيليون على اطلاق التهديدات ضد لبنان وحزب الله..
ولم تنطو على أي جديد نسختها الجديدة من على منصة المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب في مؤتمر هرتسيليا المتعدد المجالات، باستهداف البنية التحتية للبنان ردا على صواريخ حزب الله. لكن التدقيق في تهديدات رئيس البيت اليهودي الوزير نفتالي بينت، يؤكد على فعالية قدرة ردع حزب الله.، إذ لن تبادر اسرائيل الى استهداف البنى التحتية للبنان إلا ردا على اطلاق صواريخ حزب الله، وحزب الله الذي يعتمد استراتيجية الردع والدفاع، لن يبادر الى تنفيذ ضربات صاروخية وغير صاروخية إلا ردا على أي اعتداء اسرائيلي. معنى ذلك أن معادلة الردع التي فرضها حزب الله قد حققت هدفها وتؤتي ثمارها كاملة، وهو ما يفسر حالة الهدوء التي يشهدها لبنان منذ أكثر من عقد.
مع ذلك، تنبع هذه التهديدات التي تزامنت مع مناورة الفيلق الشمالي. وكونها تأتي بعد تحرير لبنان من الاحتلال التكفيري، وبموازاة الانتصارات التي يحققها محور المقاومة في سوريا، من ادراك اسرائيلي بأن حزب الله لن يتردد في الرد على أي اعتداء عسكري اسرائيلي مباشر ضد لبنان. وفي ضوء ذلك، يصبح للمخاوف الاسرائيلية من الرد الصاروخي – وغير الصاروخي – لحزب الله، منشأ واقعي.
في هذا السياق، حاولت اسرائيل من خلال هذه التهديدات – فيما سبق – أن تردع حزب الله عن الرد المؤلم والرادع، بهدف انتاج مظلة أمان توفر لها الارضية التي تسمح بشن اعتداءات عسكرية محددة وموضعية في الساحة اللبنانية. واستند هذا الرهان الى وهم – معادلة، افترض في ضوئها صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب، أنها ستحضر لدى صانع القرار في حزب الله. وهي أنه في حال رد على ضربة اسرائيلية عسكرية محدودة سيتلقى لبنان ضربة أشد. وبالتالي وفق منطق حسابات الكلفة والجدوى، يفترض أن تدفع تهديدات القيادة الاسرائيلية قادة حزب الله الى الارتداع والامتناع عن اتخاذ قرار بالرد على مثل هذه الاعتداءات، تفاديا للأسوأ.
لكن الذي حصل هو أن التهديدات والرسائل المضادة التي وجهها حزب الله في حينه، أسقطت هذا الرهان ورفعت مستوى القلق من مفاعيل وتداعيات أي اعتداء على الارض اللبنانية. واستندت هذه الرسائل الى مفهوم مفاده أن عدم الرد الرادع على اعتداءات موضعية، كان سيؤسس لمسار من الاعتداءات التي ستتوالى تباعا.
في ضوء ذلك، تبين للعدو أن رد حزب الله الرادع – على أي اعتداء – سيضعه أمام مسارين: إما دفع ثمن مؤلم يؤدي الى الانكفاء مجددا. أو التدحرج نحو ردود متبادلة مؤلمة. ومن المؤكد أن حضور هذا الفهم لدى قادة العدو، حال دون أن يستدرجوا انفسهم للوقوع في فخ التقديرات الخاطئة.
أما بخصوص تهديدات بينت وطروحاته العملانية المتجددة، فمن الواضح أنها تكرار لتهديدات باتت تقليدية، وتتلاءم مع شخصيته ومساعيه الدائمة كي يبرز كزعيم يميني صقوري في القضايا الامنية، وفي سياق التنافس القائم داخل معسكر اليمين الاسرائيلي. لكنها في أقصى الاحوال لا تخرج عن المعادلات والمفاهيم التي تمت معالجتها اعلاه.
مشكلة اسرائيل أن زمن التدمير الاحادي، قد ولى الى غير رجعة. بل كلما مر الوقت تعززت قدرات حزب الله التي توفر للبنان مظلة حماية وردع وامان، في مواجهة التهديدات الاسرائيلية، لم يسبق أن تمتع بها طوال تاريخه. وبالنتيجة لم يعد ايضا بامكان العدو فرض معادلة ردع استراتيجي وعملاني آحادي، تسمح له بشن اعتداءات “مدروسة وهادفة”.
ولعل من أبرز تجليات هذه الحقيقة هو ما صدر على لسان بينت نفسه، حتى في سياق تهديداته واقتراحاته الشاذة في الساحة الاسرائيلية، عندما دعا من على منبر المؤتمر نفسه الى ضرورة “استنفاد كل الخيارات المدنية والسياسية من أجل الامتناع عن الحرب”، مؤكدا أنه يتبنى مفهوما يدعو الى ابعاد الحرب. وهو ما يكشف عن حضور مفاعيل وأثمان أي حرب حتى في عقول أشد المتطرفين والمزايدين داخل معسكر اليمين المتطرف.
أما اذا كان يرى فيها تكتيكا يهدف الى ردع حزب الله عن الرد ازاء أي اعتداءات متدرجة على الساحة اللبنانية، فهي محاولة سقطت في ما مضى… ومقومات إسقاطها مجدداً ولاحقاً باتت أثبت رسوخاً وأشد عوداً، من أي مرحلة سابقة، وتحديدا في ضوء الانتصارات التي تحققت في لبنان وسوريا والعراق. وفي الوقت الذي يواصل العدو استعراض القوة، واطلاق التهديدات، يواصل حزب الله وحلفاؤه انتصاراتهم التي تكشف حجم القيود الردعية في وعي صناع القرار الحربي في تل ابيب.
بقلم / جهاد حيدر