اليهود الأكراد.. كلمة السرّ بين كردستان العراق و الکیان الإسرائيلي
إن العلاقة بين الأكراد وخاصة أكراد كردستان العراق والكيان الإسرائيلي وعلى رغم طابعها الأمني الخفي إلا أنها علاقة لم تعد خفية على أحد. وتعود جذورها إلى بدايات القرن الماضي أي قبيل تأسيس الكيان الذي يعرف اليوم بـ”إسرائيل”.
هذه العلاقة والودّ (إن صح التعبير) تعتمد بالأساس على مجموعة أعمدة؛ واحد من هذه الأعمدة يشكله الأكراد اليهود الذين هاجروا بغالبهم إلى فلسطين المحتلة دون أن تنقطع العلاقات بالمطلق مع كردستان (على عكس معظم اليهود الذين هاجروا من الدول العربية الأخرى بما في ذلك العراق).
سنحاول في مقالنا هذا الإضاءة باختصار على بعض الزوايا الخفية للعلاقة بين كردستان والكيان الإسرائيلي، خاصة في هذه الظروف التي تعيشها منطقتنا العربية والإسلامية.
كما ذكرنا تعود جذور العلاقة بين الأكراد بشكل عام والكيان الإسرائيلي إلى ما قبل تأسيس الكيان. وقد عمل الأكراد دورا أساسيا في المساعدة على هجرة اليهود العرب والكُرد إلى فلسطين المحتلة في خمسينيات القرن الماضي. ويُقدر عدد اليهود الكرد اليوم بما يزيد 200 ألف نسمة معظمهم يسكنون المناطق الريفية في الكيان ويعملون في الزراعة وبعض الحرف الأخرى. وبناء على سياسة الكيان، حافظ الكثير من هؤلاء على علاقات لهم مع أقرباء داخل كردستان العراق والسبب طبعا حالة الودّ التي تطبع العلاقة بين بعض الأطراف السياسية الكردية والكيان الإسرائيلي.
استمرت هذه العلاقات وتعززت خلال العقود الماضية حيث شكل الكيان داعما أساسيا للأكراد إن في السلاح أو التدريب، وإلى اليوم لا زالت تخرج تقارير إعلامية إسرائيلية وكردية لتؤكد على متانة هذه العلاقات خاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق خلال العقد الماضي. وقد ترجمت هذه العلاقات استثمارات لشركات إسرائيلية في الإقليم الكردي وهنا لعب يهود كردستان واليهود الأكراد في داخل فلسطين المحتلة دورا بارزا في تغطية هذه الحركة ذات الطابع الاقتصادي والبعد الأمني العسكري المريب.
العلاقة بين بعض الأطراف والشخصيات الكردية (ومنها بارزاني) وإسرائيل ليست خفية على أحد، وهي علاقة استغلالية من الطرفين، حيث يريد كل من الآخر تحقيق مآربه الخاصة من خلال هذا التقارب. ومن الجدير بالذكر أن هناك مراسم ولأكثر من مرة قد أُجريت في ذكرى محرقة الهولوكوست التي يدّعيها الكيان الإسرائيلي وذلك في مدينة أربيل بحضور ممثلين عن بارزاني وأحزاب كردية والجالية اليهودية في كردستان.
وبالعودة إلى العلاقة الاستغلالية بين الطرفين، سنكتفي بالإشارة إلى الهدف الإسرائيلي من العلاقة مع الأكراد، حيث يسعى هذا الكيان لتطويعهم ضمن سياسات تخدم مستقبل دولته دون الأخذ بعين الاعتبار المحاذير والوضع الكردي والمحيط العربي الإسلامي الذي يعيش ضمنه الأكراد. وفي هذا الإطار يعمل يهود كردستان دورا أساسيا وقد ذكرت مؤخرا بعض الصحف الغربية معلومات عن الدعم الكبير الذي يقدمه مسؤولون حكوميون من أصول يهودية داخل المؤسسات في كردستان لشخص بارزاني خاصة في هذه البرهة من الزمن.
الأكيد أن لا مصلحة كردية من اتباع الأهواء الإسرائيلية، فإسرائيل المنبوذة شعبيا في وسطها الجغرافي لن تكون المنصة لكردستان من أجل تحقيق أهدافها، بل على العكس تماما ستزيد الغضب الشعبي (العربي الإسلامي) اتجاه الأكراد في حال اختاروا تنفيذ الأجندة التي لا تخدم مصالح المنطقة وشعوبها ككل.
دوليا، هناك من يشجع على هذا التقارب، أما الهدف فهو أن تصبح المنطقة واقعة تحت رحمة فكي الكماشة الكردية الإسرائيلية. وهذا الأمر لا يخدم الأكراد بالمطلق أيضا. والسبب أن الواقع والمحيط الجغرافي والسكاني لا يمكن أن يسمح لهكذا كماشة أن تقوى ويشتد عضدها، ببساطة لأنها لا تُهدّد سوى هذا المحيط العربي الإسلامي.
ختاما، من الجدير التأمل كثيرا في الأسباب التي جعلت الأكراد اليهود يحافظون على علاقاتهم مع الأرض التي سكنوها قبل عقود. نحن هنا لا نتعامل مع مكون تقليدي موجود في عالمنا العربي والإسلامي بل نتعامل مع مجموعة لها أهدافها وبرنامجها الذي تريد تنفيذه. والتجربة التاريخية تؤكد أن هذا المكوّن لا يمكن أن يفكّر إلا في أطماعه ومصالحه لا غير، ولو أدت هذه المصالح إلى تدمير أمة بكاملها.
المصدر / الوقت